فصل
الظاهر : أن النهي (١) بمادته وصيغته في الدلالة على الطلب مثل الأمر بمادته وصيغته ، غير (٢) إن متعلق الطلب في أحدهما الوجود ، وفي الآخر العدم ، فيعتبر فيه (٣) ما استظهرنا اعتباره فيه بلا تفاوت أصلا.
______________________________________________________
النواهي
(١) النهي في اللغة : هو الزجر عن الشيء ؛ سواء كان بالقول أو بالفعل. وفي الاصطلاح : قد اختلفت عباراتهم في تعريفه ؛ قيل : النهي هو قول القائل لمن دونه لا تفعل ، وإنما يكون نهيا إذا أكره المنهى عنه.
وقيل : إنه طلب الترك بالقول على جهة الاستعلاء.
وقيل : إنه هو القول الدال على طلب الترك على جهة الاستعلاء.
وقيل : إنه طلب كفّ عن فعل بالقول استعلاء. وغيرها من الأقوال. والمصنف يقول : إن النهي بمادته وصيغته يدل على الطلب مثل الأمر بمادته وصيغته ؛ يعني : كما أنّ الأمر بمادته «أم ر» ، وصيغته ـ افعل ـ يدل على الطلب ؛ فكذلك النهي بمادته ، «ن ه ي» ، وصيغته ـ لا تفعل ـ يدل على الطلب ، فلا فرق بينهما في الدلالة على الطلب.
وإنما الفرق بينهما هو : في متعلق الطلب ؛ بمعنى : أن متعلق الطلب ـ الذي هو مدلول الأمر ـ هو : الوجود ، ومتعلق الطلب ـ الذي هو مدلول النهي ـ هو : العدم ، فالمطلوب من قوله : «صلّ» هو وجود الصلاة ، ومن قوله : «لا تشرب الخمر» عدم شرب الخمر.
(٢) إشارة إلى ما ذكرناه من الفرق بين الأمر والنهي. وهناك فرق آخر بينهما وهو : كون الأمر بالفعل ناشئا عن المصلحة فيه ، والنهي عنه ناشئا عن المفسدة فيه ـ على ما هو الحق عند العدلية ـ من تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها.
وقد ظهر مما ذكرناه : ما هو محل النزاع في مبحث النواهي ، وهو : النهي بالمعنى الاصطلاحي لا بمعناه اللغوي.
(٣) يعني : فيعتبر في النهي ما يعتبر في الأمر ؛ من اعتبار العلو دون الاستعلاء وغيره مما تقدم ، ومن كون التهديد والتعجيز وغيرهما من الدواعي لا من المعاني.