مقدورا ، وصادرا بالإرادة والاختيار. وكون العدم الأزلي لا بالاختيار ، لا يوجب (١) أن يكون كذلك (٢) بحسب البقاء والاستمرار الذي يكون بحسبه محلا للتكليف.
ثم إنه لا دلالة لصيغته (٣) على الدوام والتكرار ، كما لا دلالة لصيغة الأمر ، وإن
______________________________________________________
الترك ، وعدم الفعل ؛ لكونه خارجا عن القدرة والاختيار.
وأما توضيح فساد الاستدلال المذكور : فلأن الترك لا يكون خارجا عن القدرة والاختيار ، بل هو مقدور كالفعل.
توضيح مقدورية الترك يتوقف على مقدمة وهي : أن المقدور ما تكون نسبة القدرة إلى فعله وتركه واحدة ؛ بأن يكون كل واحد منهما مقدورا ، فلو لم يكن الترك مقدورا لم يكن الفعل أيضا مقدورا ، فمقدورية أحدهما تستلزم مقدورية الآخر.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إنه لمّا كان الفعل مقدورا بالضرورة ؛ فالترك كذلك ؛ إذ لو كان الترك أو الفعل غير مقدور لكان الطرف الآخر واجبا أو ممتنعا ، فيخرجان عن حيطة الاختيار ، وهو خلف.
(١) هذا دفع لإشكال عدم كون العدم الأزلي مقدورا. وحاصل الدفع : أن غير المقدور هو ذات العدم الأزلي لا استمراره ، بداهة : أن المكلف قادر على قطع استمرار العدم ونقضه بالوجود ، وهذا المقدار من القدرة كاف في صحة تعلق النهي بالعدم ، إذ العدم الأزلي بحسب البقاء يقع موردا للتكليف ، ومن المعلوم : أن المكلف في هذه المرتبة قادر على التأثير في العدم بقطع استمراره ، فيصير العدم بهذا الوجه مقدورا للمكلف ؛ كما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٦» مع تصرف ما.
(٢) يعني : لا بالاختيار بقاء واستمرارا ، فإن العدم السابق ليس محلا للكلام ، بل هو العدم بحسب البقاء والاستمرار ، وبهذا الاعتبار يكون العدم مقدورا فيكون متعلقا للتكليف.
عدم دلالة النهي على التكرار
(٣) يعني : لا دلالة لصيغة النهي على الدوام والتكرار ، كما لا دلالة لصيغة الأمر عليه فقوله : «لا دلالة لصيغته على الدوم والتكرار» إشارة إلى ردّ القائل بدلالة النهي على الدوام والتكرار ؛ حيث إن الغرض من الأمر يحصل بوجود الطبيعة المأمور بها في ضمن فرد من أفرادها ، فلا يدل على الدوام والاستمرار ؛ هذا بخلاف النهي حيث إن حصول الغرض منه يتوقف على ترك الطبيعة ، وتركها يتوقف على ترك جميع أفرادها الطولية والعرضية. هذا معنى دلالة النهي على الدوام والتكرار.