فانقدح : أن الفرق بين المسألتين في غاية الوضوح.
وأما ما أفاده في الفصول من : الفرق (١) بما هذه عبارته : «ثم اعلم : أن الفرق بين المقام (٢) والمقام المتقدم ـ وهو : أن الأمر والنهي هل يجتمعان في شيء واحد أو لا؟ ـ
______________________________________________________
اجتماع الضدين ، وترجيح جانب النهي لبعض الوجوه المذكورة في محلّها ؛ فإن المقام حينئذ من صغريات النهي في العبادة ، إذ بعد ترجيح النهي وسقوط الأمر يتوجه النهي إلى العبادة ؛ كالصلاة في الدار المغصوبة ، فيقع الكلام في أن النهي المتوجه إلى الصلاة يقتضي فسادها أم لا؟ فيقال على القول بدلالة النهي على الفساد : هذه العبادة منهي عنها ، وكل عبادة منهي عنها فاسدة ، فهذه العبادة فاسدة.
(١) بعد ما فرغ المصنف من الفرق بين المسألتين ، نقل وجهين آخرين للفرق : أحدهما : ما في الفصول. وثانيهما : ما سيأتي ذكره في كلامه ، من : أن النزاع هنا في جواز الاجتماع عقلا ، وهناك في دلالة النهي لفظا. ثم ناقش كلا منهما بما يأتي تفصيله في كلامه «قدسسره» وما في الفصول من الفرق بين المسألتين ردّ لما زعم المحقق القمي «رحمهالله» من الفرق ، حيث قال ما حاصله : إن ملاك مسألة الاجتماع هو : كون النسبة بين المأمور به والمنهي عنه عموما من وجه ؛ نحو : «صلّ ولا تغصب» ، وملاك مسألة النهي في العبادة هو : كون النسبة بين المأمور به والمنهي عنه عموما مطلقا ، والمنهي عنه يكون خاصا نحو : «صلّ ولا تصل في الغصب».
وردّه صاحب الفصول بما حاصله : من أن الفرق بينهما في المعاملات ظاهر ، وفي غاية الوضوح ؛ وذلك لعدم تعلق الأوامر بالمعاملات حتى تتحقق مسألة الاجتماع ، فمسألة الاجتماع تختص بالعبادات ، ولا تجري في المعاملات بالمعنى الأخص. نعم ؛ تجري في المعاملات بالمعنى الأعم ؛ كالواجبات التوصلية.
وأما الفرق بينهما في العبادات : فلأن الموضوع والمتعلق في اجتماع الأمر والنهي متعدد ؛ لتعلق الأمر بطبيعة مغايرة للطبيعة التي تعلق بها النهي ؛ سواء كانت النسبة بين الطبيعتين عموما من وجه ؛ كالصلاة والغصب ، أم عموما مطلقا ؛ كالضاحك بالفعل ، والإنسان في نحو : «أكرم الإنسان ، ولا تكرم الضاحك بالفعل» ؛ حيث إن الموضوع ـ في كلا المثالين ـ متعدد حقيقة أعني : الصلاة والغصب ـ في المثال الأول ـ والإنسان والضاحك بالفعل ـ في المثال الثاني ـ هذا بخلاف مسألة النهي في العبادة ؛ فإن الموضوع فيها متحد حقيقة ، والتغاير إنما هو في الإطلاق والتقييد ؛ نحو «صلّ ولا تصلّ في الغصب».
والمتحصل : أن الموضوع في إحداهما متعدد حقيقة ، وفي الأخرى متحد كذلك.
(٢) أعني : مسألة النهي في العبادة. ومراده بالمقام المتقدم هو : مسألة الاجتماع.