الخامس (١) : لا يخفى : أن ملاك النزاع في جواز الاجتماع والامتناع يعم جميع أقسام الإيجاب والتحريم ، كما هو قضية إطلاق لفظ الأمر والنهي.
______________________________________________________
في عموم ملاك النزاع لجميع أقسام الإيجاب والتحريم
(١) الغرض من عقد هذا الأمر هو : بيان تعميم محل النزاع في مسألة الاجتماع لمطلق الوجوب والحرمة ؛ سواء كانا نفسيين ، أو غيريين ، أو مختلفين ، أو كانا عينيين ، أو كفائيين ، أو مختلفين. أو كانا تعيينيين ، أو تخييريين. أو كانا تعبديين ، أو توصليين أو مختلفين ، بل ملاك النزاع ـ وهو : سراية كل من الوجوب والحرمة إلى متعلق الآخر وعدمها ـ يعم الجميع حتى الأمر والنهي غير الإلزاميين.
وزعم صاحب الفصول : اختصاص النزاع بالوجوب والحرمة النفسيين التعيينيين العينيين لوجهين :
الوجه الأول : هو الانصراف يعني : ينصرف الذهن من لفظ الأمر والنهي في العنوان إلى النفسيين التعيينيين العينيين ، كما ينصرف الذهن من إطلاق لفظ الماء إلى الماء البارد الصافي. هذا ما أشار إليه المصنف بقوله : «ودعوى الانصراف ...» إلخ.
وقد أجاب المصنف عن هذا الوجه : بما حاصله : من أن دعوى انصراف الأمر والنهي «إلى النفسيين التعيينيين العينيين في مادتهما». أي : في مادتي الأمر والنهي ؛ «غير خالية عن الاعتساف».
وجه الاعتساف : أن منشأ الانصراف : إما هو غلبة الوجود ، وإما كثرة الاستعمال وكلاهما باطل. أما بطلان الأولى : ـ أعني : غلبة الوجود ـ لمنعها صغرى وكبرى.
أما صغرى : فلأن الوجوب بمعنى كونه نفسيا تعيينيا عينيا لا يكون غالبا من حيث الوجود في الشريعة المقدسة ؛ لكثرة وجود خلافها فيها أيضا.
وأما كبرى : فلأن الغلبة من حيث الوجود ـ على فرض تسليمها ـ لا توجب الانصراف عند إطلاق مادة الأمر ؛ لأن الموجب للانصراف هو : كثرة الاستعمال لا غلبة الوجود كما قرر في محله.
وأما بطلان الثانية : ـ أعني : كثرة الاستعمال ـ فلمنعها أيضا صغرى وكبرى. أما منعها صغرى فلكثرة استعمال لفظ الأمر في الوجوب الغيري والكفائي والتخييري شرعا.
وأما منعها كبرى : فهي وإن كانت موجبة للانصراف ؛ إلّا إنها لا تنفع في خصوص المقام ؛ لقيام القرينة العقلية على الخلاف ، وهي عموم الملاك وتضاد مطلق الوجوب مع مطلق الحرمة.