واقعا (١) ، لا لما هو المؤثر منها «منهما نسخة». فعلا للحسن أو القبح ؛ لكونهما تابعين لما علم منهما كما حقق في محلّه.
______________________________________________________
الجهل القصوري بالحرام. حتى يتحقق به الامتثال. مبني على تبعية الأحكام لأقوى المناطات الواقعية التي هي من الأمور الخارجية.
(١) قيد للمصالح والمفاسد. توضيح ما هو مراد المصنف من هذا الكلام في المقام يتوقف على مقدمة وهي : أن الأفعال المتعلقة للأحكام «تارة» : تتصف بكونها ذوات مصالح ومفاسد ، و «أخرى» : تتصف بكونها حسنة أو قبيحة والفرق بين الوصفين أن اتصاف الأفعال المتعلقة للأحكام بكونها ذوات المصالح والمفاسد إنّما هو بحسب الواقع ونفس الأمر ، سواء علم المكلف باشتمالها عليهما أم لا ؛ لما عرفت من : كون الملاكات أمورا خارجية قائمة بالأفعال تكوينا ، من دون دخل علم المكلف بتلك الملاكات في اتصاف الأفعال بها. هذا بخلاف اتصاف الأفعال بالحسن والقبح ؛ فإنه مشروط بعلم المكلف بكونها ذوات المصالح أو المفاسد ؛ إذ المدح والذم لا يترتبان إلّا على الفعل الصادر عن الفاعل المختار العالم بصلاحه وفساده ، فلو صدر عنه في حالة الاضطرار إليه أو الجهل بهما لا يتصف ذلك الفعل بحسن ولا قبح.
وحاصل الفرق : أن اتصاف الفعل. كالصلاة مثلا. بكونها ذات المصلحة أو اتصافه. كقتل المؤمن مثلا. بكونه ذا مفسدة غير مشروط بعلم المكلف بهما. وأما اتصافه بالحسن أو القبح : فمشروط بعلم المكلف بصلاح الفعل وفساده.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنّ القائلين بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد اختلفوا على قولين :
الأول : أنها تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية من غير تقييد بالعلم والجهل بمعنى : أن الفعل إذا كان ذا مصلحة كان واجبا ؛ وإن كان المكلف جاهلا بها. وإذا كان ذا مفسدة كان حراما ؛ وإن جهل المكلف مفسدته ، فحينئذ إذا تعارضت المفسدة والمصلحة كان الحكم تابعا للأقوى منهما في الواقع وإن جهله المكلف. هذا ما أشار إليه بقوله : «بناء على تبعيّة الأحكام لما هو الأقوى من جهات المصالح والمفاسد واقعا».
الثاني : أنّها ليست تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية ؛ بل إنما هي تابعة للحسن والقبح الفعليين التابعين لما علم من المصالح والمفاسد ، فالمجهول منهما لا يكون مؤثرا في الحكم ، وحينئذ لو اجتمعت المصلحة والمفسدة وكانت المفسدة أقوى من المصلحة ولكن المكلف لا يعلم ذلك فأتى بالمجمع باعتبار ما علمه من المصلحة فيه كان واجبا ؛ لاشتماله على الحسن الناشئ من علم المكلف.