عرفت فيما تقدم (١) : إن النزاع ليس في خصوص مدلول صيغة الأمر والنهي ؛ بل في الأعم ، فلا مجال لأن يتوهم أن العرف هو المحكم في تعيين المداليل ، ولعله كان بين مدلوليهما حسب تعيينه تناف لا يجتمعان في واحد ولو بعنوانين ؛ وإن كان العقل (٢) يرى جواز اجتماع الوجوب والحرمة في واحد بوجهين ، فتدبر.
______________________________________________________
(١) يعني : تقدم في الأمر الرابع من قوله : «وقد عرفت» توجيه التفصيل المزبور بوجه آخر وهو : أن عدم الجواز عرفا يمكن أن يكون لأجل كون مدلول صيغتي الأمر والنهي عرفا مما يمتنع الجمع بينهما ؛ لتنافيهما ، فلا بد من القول بالامتناع عرفا. وقد أجاب عنه المصنف في الأمر الرابع : بأن النزاع في الجواز وعدمه لا يختص بما إذا كان الأمر والنهي مدلولين للصيغة ؛ بل أعم من كون الدال عليهما الصيغة أو الإجماع مثلا ، ومن المعلوم : أنه لا بد من ورود الأقوال نفيا وإثباتا على موضوع البحث بما له من السعة والضيق. وعليه : فلا محيص عن كون التفصيل بين الجواز عقلا والامتناع عرفا واردا على مطلق الأمر والنهي ، سواء كانا مدلولين للصيغة أم غيرها ؛ بأن يقال بالامتناع عرفا في كل أمر ونهي ، كما هو كذلك على الجواز عقلا ، لا في خصوص ما إذا كان مدلولين للصيغة. راجع «منتهى الدراية ، ج ، ٣ ص ١٤٢».
(٢) أي : أن التنافي المانع عن الاجتماع لعله عرفي ؛ لكن العقل يجوّز اجتماع الوجوب والحرمة في واحد بوجهين يتعلق الوجوب بأحدهما والحرمة بالآخر. قوله : «فتدبر» تدقيقي فقط.
خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدسسره»
يتلخص البحث في أمور :
١ ـ من أدلة القائلين بجواز اجتماع الأمر والنهي : هو عد العرف من أتى بالمأمور به في ضمن الفرد المحرم مطيعا وعاصيا.
وخلاصة الاستدلال : أن السيد إذا أمر عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان مخصوص ، ثم خاطه في ذلك المكان ، فيحكم العرف بأنه مطيع من جهة الأمر بالخياطة ، وعاص من جهة الكون في المكان المخصوص ، فيكون دليلا على وجوب الخياطة وحرمتها ، فيجتمع فيها الأمر والنهي.
وقد أجاب المصنف عن ذلك بوجهين :
الوجه الأول : هو عدم كون مثال الخياطة مطابقا للممثل ؛ لأن المنهي عنه ـ وهو الكون ـ من مقولة الأين والمأمور به ـ وهو الخياطة ـ من مقولة الفعل ، فلا تتحد الخياطة