أما امتناع كونه من قيود الهيئة : فلأنه لا إطلاق في الفرد الموجود من الطلب المتعلق بالفعل المنشأ بالهيئة ؛ حتى يصح القول بتقييده بشرط ونحوه ، فكل ما يحتمل رجوعه إلى الطلب ـ الذي يدل عليه الهيئة ـ ، فهو عند التحقيق راجع إلى نفس المادة.
وأما لزوم كونه (١) من قيود المادة لبّا : فلأن العاقل إذا توجه إلى شيء والتفت إليه ، فإما أن يتعلق طلبه به ، أو لا يتعلق به طلبه أصلا ، لا كلام على الثاني.
وعلى الأول : فإما أن يكون ذاك الشيء موردا لطلبه وأمره مطلقا على اختلاف طوارئه ، أو على تقدير خاص ، وذلك التقدير تارة يكون من الأمور الاختيارية (٢) ، وأخرى : لا يكون كذلك (٣) ، وما كان من الأمور الاختيارية قد يكون مأخوذا فيه (٤) على نحو يكون موردا للتكليف ، وقد لا يكون كذلك (٥) ، على اختلاف الأغراض
______________________________________________________
ثانيهما : أن يكون القيد اختياريا ؛ كالاستطاعة.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن التقييد في جميع هذه الأقسام والصور راجع إلى المادة ، فالقيد سواء كان اختياريا أو غير اختياري قيد للمادة ؛ وهو الواجب لا الوجوب وهو مفاد الهيئة ، فرجوع القيد إلى المادة أمر وجداني يلتفت إليه كل أحد ، ويجده من نفسه ، وبهذين الوجهين استدل الشيخ الأنصاري على ما ذهب إليه من عدم رجوع القيد إلى الهيئة ، ورجوعه إلى المادة.
(١) قوله : «وأما لزوم كونه» ـ أي : الشرط من قيود المادة ـ إشارة إلى الدليل على الدعوى الثانية ؛ بمعنى : أنه بعد امتناع رجوع القيد إلى الهيئة يتعين رجوعه إلى المادة.
(٢) أي : كالطهارة للصلاة ، والاستطاعة للحج.
(٣) أي : لا يكون من الأمور الاختيارية ؛ كالوقت بالنسبة إلى الصلاة.
(٤) أي : الأمر الاختياري قد يكون مأخوذا في الطلب «على نحو يكون موردا للتكليف» ؛ بحيث يتوجه التكليف إلى الفعل حال تحقق ذلك الأمر الاختياري ؛ كالصلاة بالنسبة إلى الطهارة ، فيجب تحصيل ذلك الأمر الاختياري من باب المقدمة للواجب المطلق.
(٥) أي : وقد لا يكون الأمر الاختياري موردا للتكليف ؛ كالاستطاعة لمن تمكن من تحصيلها ، فإنها لم تقع موردا للتكليف ، فلا يتوجه التكليف إلى المقدمة ؛ بل يجب الإتيان بالواجب على تقدير حصول المقدمة وهو الواجب المشروط.
ثم اختلاف وقوع شيء مطلقا أو مقيدا ناشئ من اختلاف الأغراض الداعية إلى