التقييد لو أنشئ أولا غير مقيد ، لا ما إذا أنشئ من الأول مقيدا ، غاية الأمر : قد دل عليه بدالين ، وهو غير إنشائه أولا ، ثم تقييده ثانيا ، فافهم (١).
فإن قلت : على ذلك (٢) ؛ يلزم تفكيك الإنشاء من المنشأ ، حيث لا طلب قبل حصول الشرط.
قلت : المنشأ إذا كان هو الطلب على تقدير حصوله ؛ فلا بد أن لا يكون قبل
______________________________________________________
وكيف كان ؛ فملخص الجواب : أن الطلب الخاص الذي هو مفاد الهيئة لم يقيد بشيء بعد إنشائه بالصيغة حتى يقال : إن الجزئي غير قابل للتقييد ؛ بل أنه أنشئ مقيدا ؛ بمعنى : أن المتكلم تصور الطلب بجميع خصوصياته المقصودة ثم أنشأه بالهيئة مقيدا بالخصوصية وهي الشرط ، فالشرط قرينة تدل على الخصوصية ، والصيغة تدل على الطلب المطلق ، فيكون من باب تعدد الدال والمدلول ، كما أشار إليه المصنف بقوله : «قد دل عليه بدالين» أي : دل على المقيد بدالين : الأول : الهيئة : الثاني : الشرط ، فلا محذور في هذا التقييد أصلا.
(١) لعله إشارة إلى أن المعنى الحرفي ـ على مذهب الشيخ الأنصاري ـ بذاته جزئي حقيقي ؛ لا أنه كلي ، وإنما جزئيته من ناحية الإنشاء ، فلا إطلاق له في حد ذاته حتى يصح إنشاؤه مقيدا.
أو إشارة إلى أنه لو سلم أن الطلب إذا أنشئ أولا مطلقا فلا يقبل التقييد بعد ، فما ذا يقال في مثل : أكرم زيدا إن جاءك؟ بحيث أخّر الشرط عن الطلب ، ولم يقل إن جاءك زيد فأكرمه ، فإن الطلب حينئذ قد أنشئ أولا مطلقا ، فكيف يقيد بالشرط بعد؟ فينحصر الجواب الذي لا يرد عليه الإشكال في الجواب الأول وهو : أن المعنى الحرفي كلي قابل للتقييد.
(٢) أي : على ما ذكرت من كون الشرط قيدا للهيئة والطلب المستفاد منها : «يلزم تفكيك الإنشاء من المنشأ» ، وهذا الاعتراض على المصنف دليل آخر أي : دليل ثالث على ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري ؛ من رجوع القيد إلى المادة لا إلى الهيئة.
توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : الإنشاء والمنشأ كالإيجاد والوجود ، والعلة والمعلول ؛ في استحالة الانفكاك بينهما ، فكما لا ينفك الوجود عن الإيجاد ، والمعلول عن العلة ؛ فكذلك لا ينفك المنشأ عن الإنشاء ؛ لأن الإنشاء علة للمنشإ هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى : أن تقييد المنشأ ـ وهو مفاد الهيئة ـ يرجع إلى تقييد الإنشاء.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه على تقدير كون الشرط قيدا للهيئة ـ كما هو رأي المصنف لا قيدا للمادة كما هو رأي الشيخ ـ يلزم انفكاك الإنشاء زمانا عن المنشأ ؛ لأن