فصل في مقدمة الواجب (١)
وقبل الخوص في المقصود ، ينبغي رسم أمور :
الأول :
الظاهر : أن المهم المبحوث عنه في هذه المسألة : البحث عن الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ، فتكون مسألة أصولية.
______________________________________________________
(١) قبل الخوض في البحث ينبغي بيان ما هو محل الكلام في المقام فنقول : إن المراد بالمقدمة هنا ليس مطلق ما لا بد منه في وجود الشيء ؛ حتى تشمل عدم الأضداد المقارن لوجود الشيء المطلوب ، بل المراد منها ما وقع في طريق وجود الشيء ، وما كان متقدما عليه ؛ سواء كان علة تامة أو ناقصة بتمام أقسامها من الشرط ، وعدم المانع وغيرهما ، فإذا تعلق الأمر الوجوبي بما يحتاج ويتوقف وجوده على غيره واحدا كان ذلك الغير أم متعددا يسمى ذلك الغير مقدمة.
فيقع الكلام في أنه هل هناك ملازمة بين وجوب الشيء ومطلوبيته ، وبين وجوب ذلك الغير ومطلوبيته بحسب الواقع ومقام الثبوت أم لا؟ والحاكم بذلك هو العقل ، فتجب المقدمة بعد حكم العقل بالملازمة ؛ إلّا إن المراد بوجوبها ليس هو الوجوب العقلي بمعنى : لا بدّية إتيان المقدمة ؛ لأن ثبوت وجوبها بهذا المعنى ضروري لا مجال للنزاع فيه ، بل المراد من وجوب المقدمة في المقام : هو الوجوب الغيري التبعي ؛ بمعنى : أن الآمر لو كان ملتفتا إلى نفس المقدمة ، لأوجبها كما أوجب ذي المقدمة ، فيكون المراد بالملازمة هي : الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته بهذا المعنى.
إذا عرفت ما هو محل الكلام فاعلم : أن الغرض من عقد هذا الأمر الأول هو : إثبات كون هذه المسألة من المسائل الأصولية ، لا الفقهية ، ولا الكلامية ولا المبادئ الأحكامية ، ولا التصديقية ، وفرض هذه المسألة بنحو تكون من المسائل الفقهية أو الكلامية أو غيرهما ـ وإن كان ممكنا ـ إلّا إن المصنف يقول : إنها من المسائل الأصولية ؛ لانطباق ضابط المسألة الأصولية عليها. وهو وقوعها في طريق استنباط الحكم الكلي الفرعي ؛ مثل : أن يفرض البحث عن ثبوت الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها ، فإنها بذلك تكون