قلت (١) : فيه أن الإرادة تتعلق بأمر متأخر استقبالي ، كما تتعلق بأمر حالي ، وهو أوضح من أن يخفى على عاقل فضلا عن فاضل ، ضرورة : أن تحمّل المشاق في تحصيل المقدمات ـ فيما إذا كان المقصود بعيد المسافة وكثير المئونة ـ ليس إلّا لأجل تعلق إرادته به ، وكونه مريدا له قاصدا إيّاه لا يكاد يحمله على التحمل إلّا ذلك ، ولعل الذي أوقعه (٢) في الغلط ما قرع سمعه من تعريف الإرادة بالشوق المؤكد المحرك
______________________________________________________
وبعبارة أخرى : كما أن الإرادة التكوينية لا تنفك عن الحركة نحو الفعل ، كذلك الإرادة التشريعية لا تنفك عن حركة الغير إلى الفعل والتعليق ؛ حيث إن الايجاب فيه حالي ، والحركة نحو الفعل استقبالية فهو باطل لاستلزامه انفكاك الإرادة عن المراد.
إذا عرفت هذه المقدمة فيتضح لك امتناع الواجب المعلق ؛ لما عرفت في المقدمة من استلزامه انفكاك المراد عن الإرادة ؛ لكون المراد فيه متأخرا زمانا عن الإرادة ؛ إذ المفروض : استقبالية الواجب ، وفعلية الوجوب ويستحيل انفكاك الوجوب عن الواجب بأن يكون الوجوب فعليا والواجب استقباليا فيكون من قبيل تخلف المعلول عن العلة وهو ممتنع.
(١) أجاب المصنف عن إشكال بعض أهل النظر على الواجب المعلق بوجوه :
الوجه الأول من الجواب : ما أشار إليه بقوله : «فيه أن الإرادة تتعلق بأمر متأخر استقبالي كما تتعلق بأمر حالي».
وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي :
أن المستشكل ـ وهو بعض أهل النظر ـ قد قاس الإرادة التشريعية بالإرادة التكوينية بعدم انفكاك المراد عن الإرادة.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن المصنف أنكر امتناع انفكاك الإرادة التكوينية ـ التي هي المقيس عليها عن المراد ـ فقال : بعدم امتناع تعلق الإرادة التكوينية بأمر استقبالي فيما إذا كان المراد بعيد المسافة ، ومما يحتاج إلى مقدمات كثيرة محتاجة إلى زمان طويل ؛ كطي المسافات ونحوه ، فإن إتعاب النفس في تحصيلها ليس إلّا لأجل تعلق إرادته بما لا يحصل إلّا بها ؛ فإن السفر المحتاج إلى المقدمات إنما هو للوصول إلى المراد وهو : تحصيل المال مثلا مع انفكاكه عن الإرادة ـ لأن فعل هذه المقدمات لا يكون له إرادة استقلالية ـ بل إرادة المقدمات تبعية مترشحة عن إرادة ذيها. وكيف كان ؛ فالإرادة التكوينية تنفك عن مراداتنا المنوطة بتمهيد مقدمات ومضي زمان.
(٢) أي : أوقع بعض أهل النظر من أهل العصر في الغلط.