فانقدح بذلك (١) : أنه لا إشكال في الموارد التي يجب في الشريعة الإتيان بالمقدمة قبل زمان الواجب ؛ كالغسل في الليل في شهر رمضان وغيره ، مما وجب عليه الصوم في الغد ؛ إذ (٢) يكشف به بطريق الإنّ عن سبق وجوب الواجب ، وإنما المتأخر هو زمان إتيانه (٣) ، ولا محذور فيه أصلا ، ولو فرض العلم بعدم سبقه (٤) ، لاستحال اتصاف مقدمته بالوجوب الغيري ، فلو نهض دليل على وجوبها (٥) ، فلا محالة يكون
______________________________________________________
(١) أي : بما ذكرناه من فعلية وجوب ذي المقدمة الموجبة لفعلية وجوب مقدماته ـ وإن كان مشروطا بشرط متأخر ـ ظهر : «أنه لا إشكال في الموارد التي يجب في الشريعة» المقدسة «الإتيان بالمقدمة قبل زمان الواجب» ، وقد عرفت سابقا أمثلة تلك الموارد ومنها : الغسل في الليل في شهر رمضان للصوم في الغد وغيره من سائر الأمثلة.
(٢) قوله «إذ يكشف ...» إلخ تعليل لنفي الإشكال ، وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن البرهان ـ على ما في علم الميزان ـ على قسمين :
الأول : البرهان اللمّي وهو : الاستدلال من العلة على المعلول ؛ كالاستدلال بتعفن الأخلاط على الحمى ، فيقال : زيد متعفن الأخلاط ، وكل متعفن الأخلاط محموم ، فزيد محموم.
الثاني : البرهان الإنّي وهو : الاستدلال بالمعلول على العلة كالاستدلال بالحمى على تعفن الأخلاط في المثال المذكور.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن المقام من هذا القبيل ؛ حيث إن وجوب المقدمة معلول لوجوب ذيها ، فيستكشف من وجوب المقدمات قبل وجوب ذيها وجوب ذيها بالبرهان الإنّي ، فالاستدلال بالمعلول على العلة ينفي إشكال وجوب المقدمة قبل مجيء وقت ذيها ؛ لأن وجوب المقدمة معلول لوجوب ذيها ، فيكون كاشفا عنه ، فلا إشكال في وجوبها عند وجوب ذيها.
(٣) أي : أن وجوب الواجب مقدم على زمان إتيانه ، «وإنما المتأخر هو زمان إتيانه ولا محذور فيه» أي : لا محذور في تأخر زمان الواجب وتقدم وجوبه «أصلا».
(٤) أي : ولو فرض بعدم سبق وجوب الواجب ؛ «لاستحال اتصاف مقدمته بالوجوب الغيري» ؛ لأن الوجوب الغيري فرع الوجوب النفسي ، فحيث لا وجوب نفسيا لم يكن وجوب غيري ، وغرض المصنف من قوله : «ولو فرض العلم بعدم سبقه» هو :
اختصاص البرهان الإنّي بما إذا لم يعلم بعدم وجوب ذي المقدمة قبل مجيء وقته ، وأما إذا علم بعدم وجوبه قبل وقته فلا مجال للبرهان المزبور ؛ إذ يستحيل حينئذ اتصاف المقدمة بالوجوب الغيري لاستلزامه وجود المعلول بلا علة.
(٥) أي : فلو نهض دليل على وجوب المقدمة : «فلا محالة يكون وجوبها نفسيا» ،