أحدهما : أن إطلاق الهيئة يكون شموليا ، كما في شمول العام لأفراده ، فإن وجوب الإكرام ـ على تقدير الإطلاق ـ يشمل جميع التقادير التي يمكن أن يكون تقديرا له ، وإطلاق المادة يكون بدليا (١) غير شامل لفردين في حالة واحدة.
ثانيهما (٢) : أن تقييد الهيئة يوجب بطلان محل الإطلاق في المادة ويرتفع به
______________________________________________________
ولو تم ما في التقريرات لا تصل النوبة إلى الأصول العملية لتقدم الأصول اللفظية عليها.
وحاصل كلام الشيخ في التقريرات : أنه إذا ثبت قيد ، ولم يعلم أنه راجع إلى الهيئة أو إلى المادة فاختار : ترجيح إطلاق الهيئة والوجوب ، على إطلاق المادة والواجب لوجهين :
الأول : أن إطلاق الهيئة شموليّ كالعام بالنسبة إلى أفراده. توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : الفرق بين إطلاق الهيئة وإطلاق المادة في قوله : «إن جاءك زيد فأكرمه» ؛ حيث إن إطلاق الهيئة شمولي ، وإطلاق المادة بدلي ؛ بمعنى : أن الطلب المستفاد من الهيئة ثابت على كل حال وفي كل تقدير ؛ لا في حال دون حال وفي تقدير دون تقدير ، فالطلب والوجوب مستمر إلى حصول امتثال أمره ، وشامل لجميع التقادير والأحوال ؛ نظير شمول كل عالم ـ في قوله : «أكرم كل عالم» ـ لكل فرد من أفراد العلماء في آن واحد ؛ كما هو شأن العام الاستغراقي.
هذا بخلاف إطلاق المادة كالإكرام في المثال المزبور حيث إنه بدلي كالمطلق بالنسبة إلى أفراده ؛ إذ المطلوب منها فرد واحد من الإكرام على البدل لا جميع أفراده (١).
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه إذا دار الأمر بين تخصيص العام الشمولي ، وبين تقييد المطلق البدلي يقدم الثاني على الأول كما سيأتي وجهه في مبحث العام والخاص ، ومن المعلوم : أن ما نحن فيه من صغرياته ؛ لما عرفت من أن إطلاق الهيئة شموليّ ، وإطلاق المادة بدليّ ، فالإطلاق الشمولي مما يقدم على البدلي.
(١) ملخص تقريب كون إطلاق المادة بدليا هو : أن مقتضى تعلق الأمر بطبيعة هي مطلوبية صرف الوجود منها ، الذي لا ينطبق على جميع الأفراد في آن واحد ؛ بل ينطبق على كل واحد من الأفراد على البدل كما هو شأن العام البدلي ، فلا محالة يكون إطلاق المادة بدليّا لا شموليا.
(٢) الدليل والوجه الثاني على ترجيح إطلاق الهيئة على إطلاق المادة : «أن تقييد
__________________
(١) راجع : مطارح الأنظار ، ج ١ ، ص ٢٥٢.