تشريعا ، ومعه تكون محرّمة بالحرمة التشريعية. لا محالة ، ومعه لا تتصف بحرمة أخرى ، لامتناع اجتماع المثلين كالضدين.
فإنّه يقال (١) : لا ضير في اتّصاف ما يقع عبادة لو كان مأمورا به بالحرمة الذاتية ،
______________________________________________________
في جواب المصنف عن الإشكال المذكور
(١) وقد أجاب المصنف عن الإشكال بوجوه :
الأول : ما أشار إليه بقوله : «لا ضير في اتّصاف ما يقع عبادة ...» إلخ. وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن العبادة تارة : تكون شأنية بمعنى : أنه لو أمر به كان عبادة وكان أمره عباديا لا توصليا ولا يسقط أمره إلّا بقصد القربة نحو : «لا تصم يومي العيدين» ؛ بناء على حرمته ذاتا ، فصوم العيدين عبادة شأنية ، بحيث لو فرضنا ورود الأمر من قبل الشارع لكان أمره أمرا عباديا ؛ كالأمر بصوم سائر الأيام.
وأخرى : تكون العبادة عبادة ذاتية فعلية ؛ كالسجود والتحميد لله تعالى.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن المراد من العبادة في العنوان هو العبادة الشأنية لا العبادة الذاتية الفعلية. فما ذكره المستشكل من امتناع اتّصاف العبادة بالحرمة الذاتية ممنوع ؛ إذ لا مانع من اتصاف العبادة الشأنية بها ، فإنّ صوم العيدين عبادة شأنية ، ويمكن أن يكون في صومهما مفسدة ملزمة أوجبت حرمته الذاتية ؛ كحرمة شرب الخمر. هذا هو الوجه الأول في الجواب.
أمّا الوجه الثاني الذي أشار إليه بقوله : «مع إنّه لا ضير في اتصافه بهذه الحرمة» فحاصله : أنّ ما ذكره المستشكل من «أنّه مع الحرمة التشريعية يمتنع اتصافه بالحرمة الذاتية ؛ للزوم اجتماع المثلين الذي هو محال كاجتماع الضدين» فحاصله : ممنوع ؛ لأن مورد اجتماع المثلين المحال هو اتحاد الموضوع ، وأما مع تعدده فلا يلزم محذور اجتماع المثلين أصلا ، والمقام من هذا القبيل ، ضرورة : أن موضوع حرمة التشريع هو الالتزام بكون شيء من الدين ، مع العلم بعدم كونه من الدين ، أو لا يعلم أنّه منه.
ومن المعلوم : أن الالتزام فعل قلبي ، وموضوع الحرمة الذاتية نفس الفعل الخارجي ؛ كالسجود من الجنب ، أو الحائض ، ومع تعدد الموضوع لا تجتمع الحرمتان حتى يلزم اجتماع المثلين المحال.
وأما الوجه الثالث الذي أشار إليه بقوله : «مع إنه لو لم يكن النهي فيها ...» إلخ فحاصله : أنّه يمكن البناء على فساد العبادة المنهي عنها وإن لم نقل بدلالة النهي على الحرمة ؛ إذ لا أقلّ من دلالته على عدم كون الفرد المنهي عنه مأمورا به ، إذ لا معنى للنهي مع الأمر الفعلي ، وبدون الأمر يكون حراما تشريعيا فاسدا ؛ لكفاية الحرمة التشريعية في الفساد ، فيخرج هذا الفرد المنهي عنه عن إطلاق الدليل أو عمومه الدال على صحة كل فرد فرض وجوده من أفراد طبيعة العبادة.