مثلا : صوم العيدين كان عبادة منهيا عنها ، بمعنى : إنه لو أمر به كان عبادة لا يسقط الأمر به إلّا إذا أتى به بقصد القربة كصوم سائر الأيّام.
هذا فيما إذا لم يكن ذاتا عبادة ؛ كالسجود لله ونحوه ، وإلّا كان محرّما مع كونه فعلا عبادة ، مثلا : إذا نهى الجنب أو الحائض عن السجود له «تبارك وتعالى» كان عبادة محرّمة ذاتا حينئذ ، لما فيه من المفسدة والمبغوضيّة في هذا الحال (١).
مع أنّه (٢) لا ضير في اتّصافه بهذه الحرمة (٣) مع الحرمة التشريعية ، بناء على أن الفعل فيها لا يكون في الحقيقة متصفا بالحرمة ؛ بل إنّما يكون المتصف بها ما هو من أفعال القلب (٤) ، كما هو الحال في التجري والانقياد (٥) فافهم (٦).
______________________________________________________
وبالجملة : وزان النهي عن عبادة خاصة ـ فيما إذا كان هناك عموم أو إطلاق يقتضي صحتها لو خلّي وطبعه ـ وزان الأمر الواقع عقيب الحظر ، فكما لا يدل الأمر هناك على الوجوب الذي هو مدلوله لغة أو عرفا ؛ بل يكون إرشادا إلى رفع الحظر السابق ، فكذلك النهي في المقام ، فإنّه لا يدل على الحرمة التي هي مدلوله اللغوي أو العرفي ؛ بل يكون إرشادا إلى فساد هذا الخاص من بين الخصوصيّات المشمولة للعام ، أو المطلق لو خلّي وطبعه ، وعدم كونه محبوبا عند المولى. وعليه فيستحيل التقرّب بإكرام العالم الظالم الذي ليس فيه ملاك وجوب الإكرام ، أو أنّ ملاكه مغلوب لملاك حرمته وإن كان مشمولا أوّلا لقوله : «أكرم العلماء» ، فقد ظهر : أن التقرب بالملاك أيضا غير ممكن ؛ لمغلوبيته بملاك النهي كما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٢٨٣».
(١) أي : حال الجنابة والحيض.
(٢) الضمير للشأن ، وهذا إشارة إلى الوجه الثاني من الوجوه الّتي أجاب بها المصنف عن الإشكال ، وقد تقدم توضيح ذلك ، فلا حاجة إلى التكرار.
(٣) أي : الحرمة الذاتية ، وضمير «اتصافه» راجع إلى السجود ، والضمير في «فيها» راجع إلى العبادة المحرّمة بالحرمة التشريعية ، وفي «بها» راجع إلى الحرمة التشريعية.
(٤) لأن التشريع عبارة عن البناء على حكم الواقعة كذا ، والالتزام بدخول ما لا يعلم أنّه من الدين في الدين.
(٥) في كونهما من أفعال القلب ، فإنّ الأوّل عصيان قلبي ، والثاني : طاعة قلبيّة. وعلى هذا : فلا تجتمع الحرمة الذاتية مع الحرمة التشريعية في موضوع واحد ؛ لأن موضوع الحرمة الذاتية هو الفعل من أفعال الجوارح ، وموضوع الحرمة التشريعية هو القصد القلبي ، فيكون من أفعال الجوانح.
(٦) لعلّه إشارة إلى عدم دفع اجتماع المثلين : لأن الحرمة التشريعية ـ وإن كانت