المقام الثاني : في المعاملات ، ونخبة القول : أن النهي الدّال على حرمتها لا يقتضي الفساد ؛ لعدم الملازمة فيها لغة ولا عرفا بين حرمتها وفسادها (١) أصلا ، كانت الحرمة متعلقة بنفس المعاملة بما هو فعل بالمباشرة ، أو بمضمونها بما هو فعل بالتسبيب ، أو بالتسبّب بها إليه وإن لم يكن السبب ولا المسبّب ـ بما هو فعل من الأفعال ـ بحرام ،
______________________________________________________
في عدم اقتضاء النهي الفساد في المعاملات
(١) أي : فساد المعاملة. ومعنى فسادها : هو عدم ترتّب الأثر المقصود منها كالملكية والزوجية ونحوهما عليها ، وصحّتها عبارة عن ترتّب الأثر المزبور عليها ، ومن المعلوم : عدم المنافاة بين حرمة المعاملة وبين ترتّب الأثر المقصود عليها عقلا ، هذا بخلاف حرمة العبادة ؛ حيث إنّها لا تجتمع مع الصحة ، لعدم صلاحية المبغوض للمقربيّة ، فلا يجدي قصد الأمر المغلوب بالنهي في نظر المولى ، كما إنه لا يدل النهي لغة ولا عرفا على فساد المعاملة ؛ لوضوح : أن مدلول النهي هو التحريم ، والفساد ـ أعني : عدم ترتّب الأثر ـ ليس مدلولا مطابقيا ولا التزاميا له أصلا ، فالدلالة على الفساد بأنحائها مفقودة.
وكيف كان ؛ فلا ملازمة لغة ولا عرفا بين حرمة المعاملة وفسادها ؛ سواء كانت الحرمة متعلقة بنفس السبب بما هو فعل مباشري كالإيجاب والقبول في وقت النداء ، على نحو كان المبغوض هو نفس الإيجاب والقبول ، من دون أن يكون الأمر المترتب عليهما مبغوضا شرعا ، أو كانت الحرمة متعلقة بالمسبّب بما هو فعل تسبيبي على نحو كان المبغوض شرعا هو نفس الأمر المترتّب على السبب دون السبب بنفسه ؛ كتمليك المسلم من الكافر الحاصل بهذا السبب ، أو المصحف منه فإنّه فعل تسبيبي حاصل بالسبب الخاص ، فالسبب وإن كان حراما شرعا غيريا ولكن المبغوض النفسي هو نفس تمليك المسلم أو المصحف من الكافر الحاصل بهذا السبب الخاص كما أشار إليه بقوله : «أو بمضمونها بما هو فعل بالتسبيب» حيث إن النهي في هذا القسم من البيع كبيع المسلم والمصحف من الكافر قد تعلق بالمضمون ، وهو تمليكهما من الكافر لا بالمعاملة بما هي فعل مباشري.
أو كانت الحرمة متعلقة بالتسبّب بسبب خاص ؛ كما إذا نهى عن تمليك الزيادة بالبيع الربوي على نحو كان المبغوض هو التمليك بهذا السبب الخاص ، فلو حصل التمليك بسبب آخر غير البيع الربوي كالهبة ونحوها لم يبغضه الشارع.
وبعبارة أخرى : أن نفس إنشاء البيع الربوي ، وكذا تملّك الزيادة ليس منهيا عنه ؛ لجواز تملّكها بناقل شرعي كالهبة ، بل المنهي عنه هو التسبّب بالبيع لتملك الزيادة.