ذلك إلّا إنه كان بسوء الاختيار ، ومعه لا يتغيّر عمّا هو عليه من الحرمة والمبغوضية ، وإلا لكانت الحرمة معلّقة على إرادة المكلف واختياره لغيره ، وعدم حرمته مع اختياره له ، وهو كما ترى ، مع إنه خلاف الفرض ، وإنّ الاضطرار يكون بسوء الاختيار.
إن قلت (١) : إنّ التصرّف في أرض الغير بدون إذنه بالدخول والبقاء حرام بلا إشكال ولا كلام ، وأمّا التصرّف بالخروج الذي يترتّب عليه رفع الظلم ويتوقف عليه
______________________________________________________
والمتحصّل : أن تعليق الحرمة على إرادة عدم الدخول في المغصوب ، وتعليق عدم الحرمة على إرادة الدخول واختياره باطل قطعا ؛ لأن إرادة المكلف ليست من شرائط التكليف ؛ إذ الشرط يقتضي تقدمه على الحكم ، ولازمه : إناطة الحكم بالإرادة ، فلو لم يرد الغصب أو شرب الخمر أو غيرهما من المحرمات لم يكن حراما ، وهذا واضح الفساد ؛ لأنّ الحكم علّة لحدوث الداعي في العبد. فالإرادة في رتبة معلول الحكم ، فكيف تكون علّة له؟
هذا مضافا إلى : أنّ تعليق الحرمة وعدمها على الإرادة خلاف الفرض ؛ لأنّ المفروض : تحقق الاضطرار إلى الحرام بسوء الاختيار ، فلو علق عدم الحرمة على إرادة الدخول واختياره لا يتحقق الاضطرار إلى الحرام أصلا ، فضلا عن كونه بسوء الاختيار. هذا خلاف ما هو المفروض من كون الاضطرار إلى الحرام بسوء الاختيار.
(١) المقصود من هذا الإشكال : هو الإشارة إلى كلام الشيخ الأنصاري «قدسسره» ، القائل بكون المحرم المضطر إليه بسوء الاختيار مع الانحصار مأمورا به فقط ، على ما يظهر من التقريرات (١) المنسوبة إليه. وهو أحد الأقوال في المسألة. وهو كون الخروج عن الغصب واجبا ، مع عدم جريان حكم المعصية عليه وإن كان الدخول بسوء الاختيار كما هو مفروض البحث.
وحاصل الدليل على وجوب الخروج بلا جريان حكم المعصية عليه يتوقف على مقدمة وهي : أنّ التصرّف في مال الغير بدون إذنه لا يخلو عن ثلاثة أنحاء أعني : ١ ـ الدخولي. ١ ـ البقائي. ٣ ـ الخروجي.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إنّ المحرم من هذه الأقسام هو الأوّل والثاني. وأمّا الثالث ـ وهو التّصرف الخروجي ـ وإن كان من مصاديق الغصب لكنه ليس بحرام لوجهين :
الوجه الأوّل : أنّ الغصب ليس كالظلم علّة تامّة للقبح ؛ بل مقتضي له ، فلا يقبح إذا
__________________
(١) راجع : مطارح الأنظار ، ج ١ ، ص ٧٠٩.