المدلول أشبه ، وتوصيف الدلالة أحيانا كان من باب التوصيف بحال المتعلق (١).
______________________________________________________
المصنف إشارة إلى نزاع آخر في باب المفهوم وهو : أنه هل المفهوم من صفات المعني والمدلول ، أو من صفات الدلالة؟ وليس هنا قول : بأنه من صفات الدال.
وتوضيح ذلك يحتاج إلى تمهيد مقدمة وهي : أن الصفات على ثلاثة أقسام :
الأول : صفات المدلول كالكلية والجزئية ونحوهما ، مثلا : لفظ الإنسان ليس كليا ، وكذا دلالة لفظ الإنسان على معناه ليست كلية ، وإنما الكلي هو مدلول الإنسان ، وعلى هذا : فلو اتصف لفظ الإنسان أو دلالته على معناه بالكلية كان من قبيل الوصف بحال متعلق الموصوف ، إذ الموصوف الحقيقي هو المعنى لا اللفظ والدلالة.
الثاني : صفات الدال كالثلاثية والرباعية والمجردية والمزيدية. فإنها صفات الألفاظ الدالة على المعاني ، لا صفات مدلولها ، ولا صفات دلالتها ، ولو اتصف أحدهما بهذا النحو من الأوصاف كان مجازا.
الثالث : صفات الدلالة كالنصوصية والصراحة والظهور ، فإنها صفات دلالة الألفاظ على معانيها ، لأن اللفظ بما هو لفظ لا يكون نصا وكذلك المعنى بما هو معنى ، وإنما النص هو دلالة اللفظ على معناه حتى لو اتصف اللفظ أو المعنى بإحدى هذه الأوصاف كان مجازا.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه قد وقع النزاع في المفهوم بأنه من صفات المدلول ، إذ المفهوم حكم ملازم لخصوصية المعنى ، فلا بد من أن يكون من صفات المدلول ، وقد أشار إليه المصنف بقوله : «وإن كان بصفات المدلول أشبه» ، لما عرفت من : أن المفهوم من لوازم خصوصية المعنى المنطوقي ، فالمدلول إما منطوق وإما مفهوم ، ويشهد له بعض التفاسير كقولهم : «إن المفهوم ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق» ، والمراد بالموصول أعني : ما في قوله : «ما دل» هو المدلول ، فالمتصف بالمفهوم هو المدلول.
قوله : «أو الدلالة» إشارة إلى قول آخر. والوجه في ذلك : أنه لا يتصف بالمفهوم المعنى ، والمدلول من حيث هو المعنى ، وإنما يتصف به بلحاظ الدلالة ـ بمعنى : أن الدلالة لو كانت تابعة سميت مفهوما ـ يقول المصنف : لا يهمنا التعرض للنزاع تفصيلا ، ولكن كون المفهوم بصفات المدلول أشبه حيث قيل في تفسير المنطوق بأنه حكم لموضوع مذكور ، والمفهوم حكم لموضوع غير مذكور ، أو المنطوق هو حكم مذكور ، والمفهوم هو حكم غير مذكور ، ومن البديهي : أن الحكم هو المدلول لا الدلالة.
(١) يعني : توصيف الدلالة أحيانا بالمفهوم كما يقال : الدلالة المفهومية والمنطوقية «كان من باب التوصيف بحال المتعلق» وهو المدلول لا من التوصيف بحال الموصوف.