وقد أجيب عنه : بمنع بطلان التالي (١) ، وأن الالتزام ثابت ، وقد عرفت (٢) بما لا مزيد عليه : ما قيل أو يمكن أن يقال في إثباته أو منعه ، فلا تغفل.
ثالثها (٣):
قوله تبارك وتعالى : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) (٤).
______________________________________________________
وأما الدلالة الالتزامية : فلأنها مشروطة باللزوم العقلي كما بين العمى والبصر ، أو باللزوم العرفي كما بين الحاتم والجود ، ولا ملازمة عقلا ولا عرفا بين الثبوت ، وبين الانتفاء عند الانتفاء فإذا فات الشرط فات المشروط ، فانتفت الدلالة الالتزامية. هذا معنى بطلان التالي. وبطلان التالي ـ أعني انتفاء الدلالات الثلاث ـ ينتج بطلان المقدم ، وهو دلالة الشرط على المفهوم بإحدى الدلالات الثلاث.
فالنتيجة هي : عدم دلالة الجملة الشرطية بشيء من الدلالات الثلاث على المفهوم.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب هذا الوجه الثاني على نفي المفهوم.
(١) وحاصل الجواب عن هذا الوجه هو : أن الشرط وإن كان لم يدل على المفهوم بالمطابقة أو التضمن إلا إنه يدل عليه بالالتزام ، فالمفهوم مدلول التزامي للقضية الشرطية ، إذ لازم الثبوت عند الثبوت هو : الانتفاء عند الانتفاء ، وإلا فلا معنى لتعليق حكم الجزاء على الشرط.
(٢) أي : عرفت عند أدلة القائل بالمفهوم ما قيل في الدلالة على المفهوم ، أو يقال في منع الدلالة عليه أي : الجملة الشرطية لا تدل على الانتفاء عند الانتفاء لا وضعا ولا انصرافا ولا إطلاقا.
(٣) تقريب الاستدلال بهذا الوجه الثالث من وجوه المنكرين هو : أن الجملة الشرطية قد استعملت في هذه الآية الشريفة ، ولا مفهوم لها ، إذ لو كان لها مفهوم لكان المعنى جواز الإكراه على البغاء حين عدم إرادة التحصن ، ومن المعلوم : حرمة الإكراه على البغاء والزنا مطلقا أردن التحصن أم لا. فيثبت المدعي وهو عدم دلالة الجملة الشرطية على المفهوم ؛ إذ آية القرآن أقوى شاهد على المدعى.
وبعبارة أخرى : أنه لو كان للشرط مفهوم لدل على جواز إكراههن على الزنا إن لم يردن التحصن ، مع إنه من الضروري : حرمة إكراههن على البغاء مطلقا من دون فرق بين إرادة التحصن وعدمها ، فلا محيص عن إنكار المفهوم والالتزام بعدم دلالة الجملة الشرطية عليه.
(٤) سورة النور آية : ٣٣.