وفيه (١) : ما لا يخفى ، ضرورة : إن استعمال الجملة الشرطية فيما لا مفهوم له ـ أحيانا وبالقرينة ـ لا يكاد ينكر كما في الآية وغيرها.
وإنما القائل به إنما يدعي ظهورها فيما له المفهوم وضعا أو بقرينة عامة كما عرفت (٢).
______________________________________________________
(١) وحاصل ما أجاب به المصنف عن هذا الوجه الثالث : إن عدم دلالة الشرط على المفهوم أحيانا وبالقرينة الخاصة الدالة على عدم المفهوم مما لا يكاد ينكر. والقائل بالمفهوم إنما يدعي دلالة الشرط عليه وضعا أو انصرافا أو إطلاقا بمقدمات الحكمة ، ومن المعلوم : أن تلك القرينة الخاصة على عدم المفهوم لا تنافي دلالة الشرط عليه بالوضع أو الانصراف أو الإطلاق. هذا ملخص الجواب عن الاستدلال بالآية المباركة.
وأما تفصيل ذلك فيتوقف على مقدمة وهي : أن الشرط على قسمين :
١ ـ ما يكون شرطا للحكم من دون دخل له في تحقق موضوع الحكم أيضا ؛ بحيث إذا انتفى الشرط فالموضوع باق على حاله كما في نحو : «إن جاءك زيد فأكرمه».
٢ ـ ما يكون شرطا للحكم مع دخله في تحقق موضوع الحكم أيضا ؛ بحيث إذا انتفى الشرط فلا حكم ولا موضوع للحكم أصلا كما في نحو : «إن رزقت ولدا فاختنه» ، و «إن ركب الأمير فخذ ركابه» ، ويعبر عن هذا القسم الثاني بالشرطية المسوقة لبيان تحقق الموضوع.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن محل النزاع بين الأعلام من حيث ثبوت المفهوم وعدمه إنما هو القسم الأول من الشرط ، وأما القسم الثاني الذي إذا انتفى الشرط ينتفي موضوع الحكم فهو خارج عن محل البحث والكلام ، لأنه إذا لم يرزق الولد أو لم يركب الأمير فلا ولد كي يجب ختانه أو لم يجب ، أو لا ركاب حتى يجب الأخذ به أو لم يجب ، والشرط في الآية من القسم الثاني دون الأول ؛ حيث إن الإكراه لا يتحقق إلا على ما لا يريده النفس ، ففي الآية المباركة : لا يتحقق الإكراه موضوعا في صورة إرادة البغاء ، فإن الفتيات إذا لم يردن التحصن فلا إكراه هناك كي يحرم أو لا يحرم ، فوزان الآية الشريفة وزان إن رزقت ولدا فاختنه ، فالجملة الشرطية فيها سيقت لبيان تحقق الموضوع ، فالآية الشريفة خارجة عن محل الكلام ، فلا وجه للتمسك بها لنفي المفهوم أصلا.
والمراد من غيرها في قوله : «وغيرها» هي : القضايا الشرطية المسوقة لبيان تحقق الموضوع كمثال : «إن رزقت ولدا فاختنه».
(٢) أي : كما عرفت عند نقل أدلة المثبتين للمفهوم.