ضرورة : انتفائه عقلا بانتفاء موضوعه ولو ببعض قيوده ، فلا يتمشى الكلام (١) في أن
______________________________________________________
والمنكرين له ، فلا بد أن يكون مورد النزاع هو الحكم الذي يمكن وجوده مع انتفاء ما علق عليه من الشرط ، كوجوب الإكرام الذي يمكن وجوده حين انتفاء المجيء أيضا ، فلا محيص حينئذ عن كون الحكم المعلق في المنطوق على الشرط كليا ذا أفراد حتى يمكن بقاؤه بعد انتفاء ما علق عليه ، ويصح البحث عن كون انتفاء الشرط موجبا لانتفاء الحكم أم لا ، فلو كان الحكم شخصيا ، فلا معنى لهذا النزاع فيه ، إذ لا يعقل بقاء الحكم الشخصي بعد انتفاء موضوعه حتى ينازع في بقائه ، وانتفائه بانتفاء ما علق عليه.
والمتحصل : أنه ليس المعيار في المفهوم كون المنفي شخص الحكم ، بل المعيار فيه كون المنفي سنخ الحكم ، بحيث إذا قام دليل على ثبوت الحكم في صورة انتفاء الشرط كان معارضا للمفهوم ، فإذا دل دليل على وجوب الإكرام عند انتفاء المجيء كان معارضا للمفهوم ، وهو عدم وجوب الإكرام عند انتفاء المجيء.
فقد ظهر من هذا البيان : أنه يعتبر في المفهوم إمكان بقاء الحكم عند ارتفاع ما علق عليه من الشرط ، فلو لم يمكن بقاؤه كذلك فهو خارج عن المفهوم كما في مثل : «إن رزقت ولدا فاختنه» ، مما ينتفي الحكم بانتفاء موضوعه عقلا ، وكما في مثل الوقف أو الوصية أو النذر على الأولاد إن كانوا فقراء ، أو الفقهاء إن كانوا متهجدين ، فإذا انتفى الفقر أو التهجد عنهم انتفت الوقفية والوصية وغيرهما ، لكن لا من ناحية المفهوم ، بل من جهة عدم قابلية مال إنشاء الوقف له ثانيا ، فبعد حكم الشارع بعدم جعل الوقفية لمال مرتين يكون الحكم بها شخصيا ، وقد عرفت : أن انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عقلي ، وليس من باب المفهوم أصلا.
نعم ، يكون الفرق بين مثل : «إن رزقت ولدا فاختنه» ، وبين مثل : «وقفت داري على أولادي إن كانوا فقراء» في أن تشخص الموضوع في الأول حقيقي لا يحتاج إلى جعل وإنشاء بخلاف الثاني ، فإن عدم قابلية مال لإنشاء الوقفية له مرتين إنما هو بحكم الشارع ، كما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٣٤١» مع توضيح وتصرف منا.
(١) أي : فلا يتمشى النزاع في المفهوم ، وإنما يعقل النزاع فيما إذا كان الشرط دخيلا في الحكم لا في الموضوع كما في المثال المعروف ، فإن المجيء دخيل في الوجوب لا في الإكرام ؛ فإنه معقول وممكن جاء أو لم يجئ ، فيعقل النزاع في المفهوم أي : انتفاء سنخ الحكم بانتفاء المجيء ، وأما إذا كان دخيلا في الموضوع أيضا كما في قولك : «إن رزقت ولدا فاختنه» حيث إن رزق الولد دخيل في الوجوب وفي الختان ، إذ لو لا الولد لا مورد للختان ، فلا يعقل النزاع في المفهوم ، إذ هذا الحكم ينتفي بانتفاء الولد بضرورة العقل ،