ولعل العرف يساعد على الوجه الثاني ، كما أن العقل ربما يعيّن هذا الوجه ، بملاحظة : إن الأمور المتعددة بما هي مختلفة لا يمكن أن يكون كل منها مؤثرا في واحد ، فإنه لا بدّ من الربط الخاص بين العلة والمعلول ، ولا يكاد يكون الواحد بما هو واحد مرتبطا بالاثنين بما هما اثنان ، ولذلك (١) أيضا لا يصدر من الواحد إلّا الواحد ،
______________________________________________________
من الواحد وهو الجامع ، إذ لا بد من السنخية بين العلة والمعلول ، وإلا كان كل شيء علة لكل شيء ، والشيء الواحد ـ كوجوب القصر ـ لا يعقل أن يكون مسانخا لشيئين متباينين أعني : خفاء الأذان وخفاء الجدران ، بل يكون مسانخا لشيء واحد وهو الجامع ، فلا بد من رفع اليد عن خصوصية كل من الشرطين ، وجعل الشرط ما يعمهما وهو الجامع بينهما.
وقد أشار إلى تقريب حكم العقل بتعيّن هذا الوجه ، وحاصله : أن قاعدة عدم صدور الواحد إلا عن الواحد تقتضي عدم تأثير الشرطين المختلفين بما أنهما متعددان في واحد وهو الجزاء ، بل لا بد من إرجاع المتعدد إلى الواحد حتى يكون هو المؤثر ، فكل من الشرطين إنما يؤثر بلحاظ الجامع الذي هو الشرط حقيقة وينطبق عليه. والحاصل : أن هذه القاعدة تعيّن الوجه الرابع ، وتجعل الشرط المؤثر الجامع الوحداني المنطبق على كل واحد من الشرطين.
(١) أي : ولاعتبار الربط الخاص بين العلة والمعلول لا يصدر من الواحد أيضا إلا الواحد
يعني : لا يصدر من العلة الواحدة إلا معلول واحد.
فالمتحصل : أن السنخية المخصوصة بين العلة والمعلول والربط الخاص بينهما تقتضي صدور الواحد عن الواحد ، لا عن المتعدد بما هو متعدد لعدم السنخية بين الواحد والمتعدد ، كما تقتضي أن لا يصدر من الواحد إلا الواحد ، وعلى هذا فيمتنع تأثير الشرطين بما هما اثنان ، بل لا بد أن يستند الأثر الواحد إلى الواحد وهو الجامع بين الشرطين.
قوله : «فلا بد من المصير ..» إلخ متفرع على حكم العقل بعدم صدور الواحد إلا من الواحد ، وعلى قوله : «ولعل العرف يساعد على الوجه الثاني» وحاصله : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٣٦٤» ـ أنه ـ بعد بناء العرف على الوجه الثاني وهو رفع اليد عن المفهوم في كلتا الشرطيتين ، وجعلهما كالقضية اللقبية بالتقريب المتقدم سابقا ، وبعد بناء العقل على امتناع تأثير كل من الشرطين بعنوانه الخاص في الجزاء ـ لا بد من الجمع بين القول بعدم المفهوم للقضية الشرطية عند التعدد ، لبناء العرف على ذلك كما عرفت