منها : ما كان لأجل أن المضرب عنه ، إنما أتى به غفلة أو سبقه به لسانه ، فيضرب بها (١) عنه إلى ما قصد بيانه ، فلا دلالة له (٢) على الحصر أصلا ، فكأنّه أتى بالمضرب إليه ابتداء ، كما لا يخفى.
ومنها : ما كان لأجل التأكيد ، فيكون ذكر المضرب عنه كالتوطئة والتمهيد لذكر المضرب إليه ، فلا دلالة له عليه أيضا.
ومنها : ما كان في مقام الردع ، وإبطال ما أثبت أولا ، فيدل عليه وهو واضح.
ومما يفيد الحصر ـ على ما قيل ـ تعريف المسند إليه (٣) باللام ، والتحقيق : أنه لا يفيده
______________________________________________________
كلمة «بل» ، ففي المثالين كأنه قال : «خرج عمرو» و «اشتريت دكانا» ، ومن المعلوم : أنهما من اللقب الذي لا مفهوم له.
٢ ـ أن يكون لأجل التأكيد نحو قول الفقهاء : «طهارة ماء الغسالة مشهور ، بل قام عليها الإجماع» ، والمراد بالتأكيد المبالغة ، فيكون ذكر المضرب عنه توطئة وتمهيدا لبيان المضرب إليه ، من دون دلالتها على الحصر أصلا.
٣ ـ أن يكون للردع وإبطال ما أثبت أولا ؛ كأن يقال : «تقليد الأعلم أحوط ، بل واجب» ، وكقوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ)(١). وهذا القسم يدل على الحصر لدلالته على نفي الحكم عن المضرب عنه ، وإثبات حكم آخر له مع الانحصار ؛ كإثبات العبودية فقط في الآية المباركة لمن اتخذه الرحمن بزعمهم ولدا له ، «سبحانه وتعالى».
فالقسم الثالث وإن كان مما يدل على الحصر ؛ إلّا أن تعيين هذا القسم من الأقسام محتاج إلى القرينة ؛ إذ المفروض : تعدد أنحاء الاستعمال.
(١) أي : بل الإضرابية عن المضرب عنه إلى الشيء الذي قصد بيانه وهو المضرب إليه ، وضمير «به» في الموردين يرجع إلى المضرب عنه.
(٢) أي : لكلمة «بل» الإضرابية ، والأولى تأنيث الضمير.
(٣) قبل الخوض في البحث ينبغي تقديم أمور :
١ ـ أن المراد بالمسند إليه في المقام هو : خصوص المبتدأ مثل : «الأمير زيد» مثلا فيدل على انحصار الإمارة في زيد ، وعلى نفيها عن غيره من عمرو وبكر.
٢ ـ أن المسند إليه إما أن يكون مساويا للمسند أو أخص منه أو أعم منه مطلقا أو من وجه ، ولا إشكال في خروج القسمين الأولين عن محل النزاع للعلم بالحصر حينئذ ، إذ
__________________
(١) البقرة : ١١٦.