الإحرام قبل الميقات ، فإنّما هو لدليل خاص ، كاشف عن رجحانهما ذاتا في السفر وقبل الميقات ، وإنما (١) لم يؤمر بهما استحبابا أو وجوبا لمانع يرتفع مع النذر ، وإما
______________________________________________________
كان النذر علة لذلك العنوان لزم تأخر الرجحان عن النذر ، وكونه ناشئا منه وهو ينافي ما دلّ على اعتبار الرجحان في متعلق النذر ، فالجمع بينه وبين ما دل على صحة النذر في هذين الموردين يقتضي أن يكون الرجحان في المتعلق قبل النذر ، أو في رتبته ، فليسا خارجين عن عموم دليل اعتبار الرجحان في متعلق النذر.
الوجه الثالث من وجوه الجواب : ما أشار إليه بقوله : «هذا لو لم نقل بتخصيص عموم دليل اعتبار الرجحان في متعلق النذر بهذا الدليل» يعني : ما دل على صحة نذر الصوم والإحرام في السفر وقبل الميقات ؛ لأنه أخص من عموم دليل اعتبار الرجحان في المنذور قبل تعلق النذر به ، ومقتضى التخصيص به هو : الاكتفاء بالرجحان الطارئ عليهما من قبل النذر.
وحاصل هذا الوجه الثالث : هو الالتزام بتخصيص أدلة اعتبار الرجحان في متعلق النذر ؛ بما دل على صحة الصوم في السفر ، والإحرام قبل الميقات بالنذر فيقال : إنه يعتبر في متعلق النذر الرجحان إلا في هذين الموردين ؛ فيجمع بين عموم ما دل على اعتبار الرجحان في المنذور ، وبين ما دل على صحة النذر في المثالين بعدم اعتبار الرجحان فيهما قبل النذر ، وكفاية الرجحان الناشئ من قبل النذر ، فلو كان المنذور مرجوحا في نفسه لم ينعقد النذر وإن صار بسبب النذر راجحا إلا في هذين الموردين. فإنه ينعقد النذر فيهما على أن يؤتى بهما على وجه العبادة والتقرّب بهما منه تعالى.
والمصنف فصّل بين هذا الوجه الثالث ، وبين الوجهين المتقدمين بالإشكال على الوجه الثاني ، وكان الأفضل بل اللازم تعرضه لهذا الوجه الثالث بعد الوجهين بلا فصل ، إلّا إن يقال : إن الإشكال لا يختص بالوجه الثالث ، بل يرد على الوجه الثاني أيضا ، فلذا أخره عنه. توضيح العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».
(١) إشارة إلى توهم وهو : أن الرجحان الذاتي إن كان ملزما اقتضى تشريع الوجوب ، وإن لم يكن ملزما اقتضى تشريع الندب ، مع إنه ليس كذلك ضرورة : حرمتهما لو لا النذر ، وعدم تشريع الوجوب إلا بعد النذر ، وهذا كاشف عن عدم الرجحان الذاتي لهما قبله أصلا.
وحاصل الدفع : «إنما لم يؤمر بهما استحبابا ، أو وجوبا لمانع يرتفع مع النذر» أي : يرتفع مقارنا لوجود النذر لا متأخرا عنه ؛ بأن يكون معلولا له ، وإلا يلزم حينئذ تعلق النذر بالمرجوح ، فيرجع الإشكال.