في كون فرد العام محكوما بحكمه ، كما هو قضية عمومه ، والمثبت (١) من الأصول اللفظية وإن كان حجة ، إلا أنه لا بد من الاقتصار على ما يساعد عليه الدليل ، ولا
______________________________________________________
التخصيص بناء العقلاء ، ولم يثبت بناؤهم عليها إلا في الشك في المراد ، ولذا عدت من الأصول المرادية ، فلا تجري إلا فيما إذا شك في المراد. وأما إذا علم المراد وشك في كيفية الإرادة ، وأنها بنحو التخصيص أو التخصص ، فلا تجري لإثبات كيفيتها ، ففي مثال المتن يكون المراد ـ وهو عدم وجوب إكرام زيد ـ معلوما ؛ لكن لا يعلم أن عدم وجوب إكرامه هل هو لعدم كون زيد فردا للعام ـ أي : ليس من العلماء ـ حتى يكون خروجه عن «أكرم العلماء» تخصصا ، أو لعدم كونه بحكم العام مع كونه فردا له ـ أي : أنه من العلماء لكن لا يجب إكرامه ـ حتى يكون خروجه عن «أكرم العلماء» تخصيصا ، فأصالة عدم التخصيص لا تجري هنا لإثبات كيفية إرادة المتكلم لعدم وجوب إكرام زيد ، وأن عدم وجوب إكرامه بنحو التخصص ـ أي : لعدم كونه عالما ـ حتى يترتب عليه آثار ضدّه كما إذا كان للجاهل أحكام ، فبأصالة عدم تخصيص العام لا يحرز إن زيدا ليس فردا للعام ليترتب عليه أحكام الجاهل.
والمتحصل : أنه لمّا كان دليل اعتبار أصالة عدم التخصيص بناء العقلاء كانت مختصة بما علم كونه فردا للعام ، وشك في خروجه عن حكمه ، ولا أقل من احتمال اختصاصها بذلك ، ومجرد الاحتمال كاف في عدم جريانها فيما شك في فرديته للعام.
والسر في ذلك واضح ، فإن بناء العقلاء دليل لبّي ، فلا بد من الاقتصار على المتيقن منه وهو إثبات حكم العام لما علم أنه من أفراده ، فيختص جريان أصالة عدم التخصيص بهذا المورد ، وأما ما عداه كمورد البحث فلا تجري فيه ؛ لعدم ثبوت بناء العقلاء على عدم التخصيص فيه.
(١) إشارة إلى دفع توهم بتقريب : إن جريان أصالة عدم التخصيص وإثبات عدم فردية المشتبه للعام ، وترتيب أحكام ضد العام عليه نظرا إلى حجية مثبتات الأصول اللفظية ـ التي منها أصالة عدم التخصيص ـ لا يختص بما علم من أنه من أفراد العام ؛ بل يجري في محل الكلام أيضا.
إلّا إن هذا التوهم مدفوع ؛ بأن أصالة عدم التخصيص ـ وهي أصالة العموم ـ وإن كانت من الأمارات التي تكون حجة في المداليل الالتزامية ؛ إلّا إن مقدار حجيتها تابع لدلالة اعتبارها ، ومن المعلوم : أن دليل الاعتبار في المقام ليس إطلاق اللفظ ؛ بل هو لبّي ، فلا بد من الأخذ بالمقدار المتيقّن ، وهو ما إذا كان الشك في المراد لا في كيفية الإرادة.
قوله : «ولا دليل هاهنا» يعني : في أصالة العموم ، أو أصالة عدم التخصيص.