استدلال الأشاعرة ؛ للقول بأنّ الأفعال غير اختيارية ، بقضية أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد.
فانقدح بذلك (١) : فساد الاستدلال لهذا القول ، بأنّ الأمر بالتخلّص والنهي عن
______________________________________________________
من كونه مقدورا للمكلف فعلا وتركا بعد دخوله فيها ولم يعرض عليه الامتناع بمعنى عدم القدرة عقلا عليه.
الوجه الثالث : أنّ محل الكلام في هذه القاعدة إنّما هو فيما إذا كان ملاك الوجوب تاما في ظرفه ومطلقا أي : من دون فرق في ذلك بين أن تكون مقدمته الإعدادية موجودة في الخارج أو غير موجودة ، وأن يكون وجوبه مشروطا بمجيء زمان متعلقه أو لا ، وذلك كوجوب الحج فإنه وإن كان مشروطا بمجيء يوم عرفة إلّا إنّ ملاكه يتمّ بتحقق الاستطاعة ، ولا يتوقف على مجيء زمان متعلقه وهو يوم عرفة ، وعليه : فمن ترك المسير إلى الحج بعد وجود الاستطاعة يستحق العقاب على تركه وإن امتنع عليه الفعل في وقته ؛ لأنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.
هذا هو الملاك في جريان هذه القاعدة ، ومن المعلوم : أن هذا الملاك غير موجود في المقام ، بل هو في طرف النقيض مع مورد القاعدة ، وذلك ، لأنّ الخروج قبل الدخول في الدار المغصوبة لم يكن مشتملا على الملاك ، فالدخول فيها من المقدمات الّتي لها دخل في تحقق القدرة على الخروج وتحقق ملاك الحكم فيه ، ضرورة : أنّ الداخل فيها هو الّذي يمكن توجيه الخطاب إليه بفعل الخروج أو بتركه دون غيره ، فإذن : لا يمكن أن يكون الخروج داخلا في موضوع القاعدة.
إذا عرفت هذه المقدمة الطويلة يتّضح لك كون القاعدة أجنبيّة عن المقام ، لأنّ نتيجة الوجوه المذكورة هي : أنّ الخروج عن الدار المغصوبة غير داخل في كبرى تلك القاعدة ، فلا يصح الاستدلال بها على كون الخروج مأمورا به ومنهيا عنه بحجّة أنّ كون الخروج مأمورا ومنهيا عنه ، وإن كان مستلزما للتكليف بما لا يطاق وبما هو الممتنع إلّا إنّ ذلك نشأ من سوء الاختيار ، فيقال : إنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار. وقد عرفت أجنبيّة القاعدة عن المقام.
(١) أي : فانقدح بما ذكرنا ردّا ـ لما يقول به المحقق القمي من كون الخروج مأمورا ومنهيا عنه من عدم صحّة تعلّق الطلب الحقيقي بالواجب والممتنع وإن كان الوجوب والامتناع بالاختيار ـ «فساد الاستدلال لهذا القول» يعني : فانقدح بعدم صحة الطلب الحقيقي بالواجب والممتنع فساد استدلال صاحب القوانين على وجوب الخروج وحرمته ، فلا بد أولا من تقريب هذا الاستدلال ، وثانيا : من بيان وجه فساده.