لكن الظاهر : أن مثل أدوات النداء لم يكن موضوعا لذلك ؛ بل للخطاب الإيقاعي الإنشائي ، فالمتكلم ربما يوقع الخطاب بها تحسّرا وتأسفا وحزنا مثل : يا كوكبا ما كان أقصر عمره ، أو شوقا ، ونحو ذلك ، كما يوقعه (١) مخاطبا لمن يناديه حقيقة ، فلا (٢) يوجب استعماله في معناه الحقيقي ـ حينئذ ـ التخصيص بمن يصح مخاطبته.
نعم (٣) ؛ لا يبعد دعوى الظهور انصرافا في الخطاب الحقيقي كما هو (٤) الحال في
______________________________________________________
من التجوّزين أصلا ، أما من ناحية الأدوات ؛ فلاستعمالها في معناها الحقيقي حينئذ. وأما من ناحية الألفاظ الواقعة بعدها : فلشمولها لغير الحاضرين كشمولها لهم ، وهو واضح.
وبالجملة ؛ فبناء على وضع الأدوات للخطاب الإنشائي يمكن استعمالها في الحاضرين والغائبين والمعدومين على نسق واحد ، بلا لزوم مجاز أصلا ، غاية الأمر : أن الاختلاف بين موارد استعمالها يكون في دواعي الإنشاء ، فقد يكون الإنشاء بداعي النداء ، كقوله : للحاضر عنده : «يا زيد احفظ كذا» ، وقد يكون بداعي التأسف ؛ كقوله : «يا كوكبا ما كان أقصر عمره» ، وقد يكون بداعي الشوق ، كقوله :
يا آل بيت رسول الله حبّكم |
|
فرض من الله في القرآن أنزله |
(١) أي : يوقع الخطاب يعني : يوقع المتكلم الخطاب مخاطبا لمن يناديه حقيقة ، نحو «أيا من لست أنساه» بلا تحسّر أو تأسّف أو غيرهما من دواعي إنشاء الخطاب ، فأدوات الخطاب على هذا تستعمل دائما في معناها الحقيقي وهو إنشاء الخطاب بلا لزوم مجاز أصلا ؛ لاختلاف الدواعي لا المعاني.
(٢) متفرع على قوله : «لكن الظاهر ..» الخ. يعني : بعد البناء على وضع أدوات الخطاب للخطاب الإنشائي سواء كان بداعي الحقيقة أو بسائر الدواعي ؛ كاظهار الشوق ، أو الحزن ، أو الحسرة ، أو الندبة ، أو السخرية ، أو غير ذلك ، فلا يوجب استعمال مثل أدوات النداء في معناه الحقيقي حينئذ أي : حين لم تكن أدوات الخطاب موضوعة للخطاب الحقيقي أي : لا يوجب «التخصيص بمن يصح مخاطبته» من الحاضرين فقط ؛ بل يشمل المعدومين والغائبين ؛ لأنه لا مانع من تعلّق الخطاب الإنشائي بهما.
(٣) استدراك على كون الأدوات موضوعة للخطاب الإنشائي الذي لا يلزم مجاز من استعمالها فيه ، وإرادة المعدومين. وحاصله : أن الأدوات وإن وضعت للخطاب الإنشائي ؛ لكن لا تبعد دعوى ظهورها انصرافا في الخطاب الحقيقي ؛ لكون الغالب نشوء الخطاب الإنشائي عن داعي الخطاب الحقيقي ، وعليه : فيكون الظاهر الناشئ عن الانصراف المزبور : أن الخطاب حقيقي ، فيختص بالحاضرين.
(٤) أي : الظهور الانصرافي حال غير أدوات الخطاب من حروف الاستفهام والترجّي