وإن أبيت (١) إلا عن وضع الأدوات للخطاب الحقيقي ، فلا مناص عن التزام اختصاص الخطابات الإلهية بأداة الخطاب ، أو بنفس (٢) توجيه الكلام بدون الأداة كغيرها بالمشافهين (٣) ، فيما لم يكن هناك قرينة على التعميم (٤).
وتوهّم (٥) : صحة التزام التعميم في خطاباته تعالى لغير الموجودين ، فضلا عن
______________________________________________________
(١) يعني : إنك إن أبيت عما تقدم منّا من وضع الأدوات للخطاب الإيقاعي الإنشائي ، والتزمت بوضعها للخطاب الحقيقي فلا مناص حينئذ عن الالتزام باختصاص ما يقع في تلوها بالحاضرين في مجلس الخطاب فقط ، وأن الخطابات الإلهية كغيرها من الخطابات تختص بالمشافهين خاصة فيما لم تكن هناك قرينة على التعميم.
وكيف كان ؛ فغرضه : إنه لو لم يلتزم الخصم بما قلناه ـ من وضع أدوات الخطاب للخطاب الإنشائي حتى يصح إرادة العموم من تاليها للغائبين والمعدومين ، من دون عناية وعلاقة ، والتزم بوضع الأدوات للخطاب الحقيقي ـ فلا محيص حينئذ عن اختصاص الخطابات بالمشافهين ، وعدم صحة شمولها للمعدومين إلا بوجود قرينة على التعميم موجبة للمجازية.
(٢) عطف على أدوات الخطاب يعني : أن الخطابات الإلهية سواء كانت بأدوات الخطاب كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا*) ، أم بنفس توجيه الكلام كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) بناء على وضع الأدوات للخطاب الحقيقي تختص بالمشافهين ، ولا تشمل الغائبين عن مجلس الخطاب ـ فضلا عن المعدومين ـ إلا بقرينة تدل على التعميم.
(٣) أي : «اختصاص الخطابات ..» إلخ بالمشافهين.
(٤) وأما لو كانت قرينة على التعميم نحو غالب الخطابات التي علم عدم اختصاصها ؛ فلا بد وأن نقول : بشمولها للجميع ؛ ولو بنحو المجاز والعناية بتنزيلها منزلة الحاضرين.
(٥) والغرض من هذا التوهم هو : تصحيح توجه خطاباته تعالى لغير الحاضرين ، وذلك بالفرق بين خطابات الملوك ، فلا بد من اختصاصها بالحاضرين ، وبين خطاباته تعالى فلا تختص بالحاضرين.
توضيح ذلك : أن عدم صحة توجيه الخطاب الحقيقي إلى الغائبين والمعدومين يختص : بما إذا كان المتكلم غير الله تعالى ، وأما إذا كان هو الباري «عزوجل» فلا بأس به ، ويصح منه خطاب المعدوم حقيقة ، حيث إنه «جلّ وعلا» محيط بالموجودات في الحال ، والموجودات في الاستقبال ؛ لتساوي نسبة الممكنات إليه تعالى.