الحقيقة الإبداء ، لكمال شباهة إبدائه تعالى كذلك (١) بالبداء في غيره ، وفيما ذكرنا كفاية فيما هو المهم (٢) في باب النسخ ، ولا داعي بذكر تمام ما ذكروه في ذاك الباب كما لا يخفى على أولي الألباب.
ثم لا يخفى ثبوت الثمرة بين التخصيص والنسخ (٣) ، ضرورة : أنه على التخصيص
______________________________________________________
وقوله : «ثانيا» قيد لقوله : «ويبدي».
(١) أي : إظهار ما أخفاه أولا لمصلحة اقتضت إخفاءه ، وإبراز خلافه وأما وجه شباهة بدائه تعالى ببداء غيره فهو : كون البداء إظهارا بخلاف الإظهار الأول في غيره تعالى ، حيث إن الجاهل المركب يظهر شيئا يعتقد بكونه ذا مصلحة ، وبعد ذلك حينما ينكشف له خلافه وعدم المصلحة فيه يظهر خلافه ، فكما تكون المصلحة مخفية عليه ، وتظهر له بعد ذلك ، فكذلك المصلحة التي أخفاها الله تعالى على العبد ثم أظهرها له ؛ لكن الإخفاء منه تعالى يكون للمصلحة ، ومن غيره تعالى للجهل.
فالحاصل : أن البداء المنسوب إليه تعالى ليس بمعناه الحقيقي أعني : ظهور الشيء الخفي ، فإنه لا يخفى عليه تعالى شيء ، فالمعقول في حقه تعالى هو الإبداء أي : إظهار الشيء الخفي ، والمعقول في حق غيره هو الظهور بعد الخفاء ، فنسب البداء إليه تعالى لشباهة الإبداء منه تعالى للبداء من غيره تعالى.
(٢) وهو : عدم كون النسخ مشروطا بحضور وقت العمل بالحكم المنسوخ. ولا يخفى : إن البداء ليس له دخل في علم الأصول ، ولذا تركنا تطويل الكلام في هذا المقام.
في بيان الثمرة بين التخصيص والنسخ
(٣) أي : فيما إذا دار الخاص بين الناسخية والمخصصية.
ومنها : ما أشير إليه سابقا من : أن الخاص الوارد بعد العام إن كان مخصصا خرج عن حكم العام من الأول ، وإن كان ناسخا خرج عن حكمه من حين النسخ ، والوارد قبل العام إن كان مخصصا لا يدخل في حكم العام أبدا ، وإن كان منسوخا دخل فيه بعد النسخ.
ومنها : أن تخصيص الكتاب بالخبر جائز ، ونسخه به ممنوع.
ومنها : أن نسخ حكم العام عموما جائز ، وتخصيص العام بالأكثر فضلا عن الكل ممنوع.
ومنها : أنه لو أمر مثلا بالصلاة بلا تعيين مكان ، فصلى في ملك الغير فنهي عنه ، فعلى النسخ أجزأت ، وعلى التخصيص يحتمل القضاء.