هذا (١) فيما إذا أحرز الغالب منهما ، وإلّا (٢) كان بين الخطابين تعارض ، فيقدّم الأقوى منهما دلالة أو سندا ، وبطريق الإنّ يحرز به : أنّ مدلوله أقوى مقتضيا.
______________________________________________________
(١) أي : تقديم الغالب من الملاكين على الآخر إنّما يكون فيما إذا أحرز الغالب منهما.
(٢) أي : وإن لم يحرز الغالب منهما كان الخطابان متعارضين ؛ للعلم الإجمالي بكذب أحدهما في دلالته على فعلية مؤداه ، فيقدم ما هو الأقوى منهما دلالة أو سندا.
هذا مجمل الكلام في المقام ، وأمّا تفصيل ذلك : فإنّ الواقع لا يخلو عن ثلاثة أوجه ، وبعبارة أخرى : إن صور عدم إحراز أقوى المقتضيين ثلاثة :
الأوّل : أن يكون كلاهما لبيان الحكم الفعلي ، وقد أشار إليه بقوله : «فيقدم الأقوى منهما».
الثاني : أن يكون كلاهما لبيان الحكم الاقتضائي.
الثالث : أن يكون أحدهما متكفّلا للحكم الفعلي ، والآخر للحكم الاقتضائي.
وعلى الأوّل : يتعيّن الأخذ بالأهمّ إذا كان معلوما ، وإلّا يرجع إلى المرجحات السندية أو الدلالية إن كان المرجح موجودا ، وإلّا يحكم بالتخيير بينهما كما في باب تعارض الدليلين.
وعلى الثاني : يرجع إلى الأصول العملية كما أشار إليه بقوله : «وإلّا فلا محيص عن الانتهاء إلى ما تقتضيه الأصول العملية».
وعلى الثالث : يؤخذ بالحكم الفعلي ، ويطرح الحكم الاقتضائي كما أشار إليه بقوله : «وإلّا فلا بدّ من الأخذ بالمتكفل لذلك منهما».
قوله : «وبطريق الإنّ» إشارة إلى أنّ المراد بالطريق الإنّي هنا ليس ما هو المصطلح من العلم بالعلة من طريق العلم بالمعلول ؛ إذ ليست قوّة الدلالة معلولة لقوّة المدلول ، وهما معلولتان لعلة ثالثة حتى يندرج في الطريق الإنّي المصطلح ؛ لعدم اللزوم بينهما ، إذ قد يكون الأقوى دلالة أضعف مدلولا من الدليل الذي يكون أضعف دلالة ، وأقوى مدلولا ؛ بل المراد بالطريق الإنّي هنا : أنّ الأقوى لما دل مطابقة على فعلية مؤداه ، فقد دل التزاما على أقوائية ملاكه. كما أنّ الدليل الأضعف كذلك ، فإذا دلّ دليل الترجيح على حجيّة أقوى الدليلين المتعارضين ؛ وعدم حجية الآخر فقد دلّ على ثبوت مدلولي الدليل الأقوى المطابقي والالتزامي معا ، ونتيجة ذلك : ثبوت أقوائية ملاكه ظاهرا ، مثلا : إذا دل دليل بالدلالة المطابقية على وجوب الصلاة ، وبالالتزام على أقوائية ملاكه ـ وقدم هذا الدليل لأقوائية دلالته على دليل حرمة الغصب ـ فببركة أدلة ترجيح الدلالة تصير دلالة دليل