بالمقيد لا يكون كاشفا عن عدم ورود المطلق في مقام البيان ؛ بل عن عدم كون الإطلاق الذي هو ظاهره بمعونة الحكمة ، بمراد جدي ، غاية الأمر : إن التصرف فيه بذلك (١) لا يوجب التجوّز فيه ، مع إن (٢) حمل الأمر في المقيد على الاستحباب لا يوجب تجوزا فيه ، فإنه (٣) في الحقيقة مستعمل في الإيجاب ، فإن المقيّد إذا كان فيه ملاك الاستحباب كان من أفضل أفراد الواجب لا مستحبا فعلا ، ضرورة (٤) : إن ملاكه لا يقتضي استحبابه إذا اجتمع مع ما يقتضي وجوبه.
نعم (٥) ؛ فيما إذا كان إحراز كون المطلق في مقام البيان بالأصل كان (٦) من
______________________________________________________
(١) أي : التصرف في المطلق بعدم كونه مرادا جديا لا يوجب التجوّز في المطلق.
(٢) هذا إشارة إلى الوجه الثاني من وجهي الجواب عن الإشكال المذكور ، وقد عرفت كلا الوجهين ، فلا حاجة إلى التكرار.
(٣) تعليل لعدم التجوّز ، كما أن قوله : «فإن المقيد إذا كان ..» إلخ تعليل لكون الأمر مستعملا في الإيجاب ، وحاصله : أن ما يكون فيه ملاك الوجوب كالرقبة المؤمنة التي تكون لفرديتها للرقبة المطلقة واجدة لملاك الوجوب يمتنع أن يتصف فعلا بالاستحباب ؛ للزوم اجتماع الضدين ـ وهما الوجوب والاستحباب ـ في شيء واحد ولو مع تعدد الحيثية فلا بد أن يراد بالاستحباب هنا : الأفضلية ، فيكون عتق الرقبة المؤمنة أفضل أفراد الواجب.
(٤) تعليل لعدم كون المقيد مستحبا فعلا ؛ لأن ملاك الوجوب الموجود في جميع أفراد المطلق ـ التي منها الرقبة المؤمنة ـ يمنع عن تأثير ملاك الاستحباب في الاستحباب الفعلي ؛ للزوم اجتماع الضدين ، فاستحباب المقيد معناه أفضل أفراد الواجب ، وضمير «وجوبه» راجع إلى المقيد ، كما أن ضمير استحبابه راجع إليه.
(٥) يعني : يصح جواب المجيب القائل بأن التقييد ليس تصرفا في معنى اللفظ ، فيرجّح تقييد المطلق على حمل أمر المقيد على الاستحباب في مورد واحد ، وهو ما إذا أحرز بالأصل العقلائي كون المتكلم في مقام البيان ، ثم علم بدليل المقيد ، فلا مانع حينئذ من كشف دليل التقييد عن عدم كونه في مقام البيان ؛ بل في مقام الإهمال أو الإجمال ، فحينئذ يقدّم التقييد على حمل أمر المقيد على الاستحباب ؛ إذ الأصل ـ وهو كون المتكلم في مقام البيان ـ متبع ما لم يقم ما يصلح للقرينية على خلافه ، وقد قام ما يصلح للقرينية على خلاف الأصل المذكور ؛ إذ دليل المقيد يكشف عن عدم كون المطلق في مقام البيان ، فحينئذ يرجّح التقييد على حمل أمر المقيد على الاستحباب.
(٦) جواب «إذا» يعني : «إذا كان إحراز كون المطلق» بكسر اللام أي : المتكلم «في