إثبات الإجمال أو البيان لا يكاد يكون بالبرهان ، لما عرفت (١) من : أن ملاكهما أن يكون للكلام ظهور ، ويكون قالبا لمعنى ، وهو (٢) مما يظهر بمراجعة الوجدان ، فتأمّل (٣).
ثم لا يخفى : أنهما وصفان اضافيان (٤) ، ربّما يكون مجملا عند واحد ، لعدم
______________________________________________________
(١) يعني : في أول الفصل حيث قال : «والظاهر : أن المراد من المبيّن في موارد إطلاقه الكلام الذي له ظاهر».
(٢) أي : الملاك ـ وهو الظهور ـ يظهر بمراجعة الوجدان ، فبعد المراجعة إليه يظهر : أن للكلام ظهور أولا.
(٣) لعله إشارة إلى : أن الغرض من إقامة البرهان : التنبيه على ما هو ثابت بالوجدان ، فيكون البرهان طريقا إلى الأمر الوجداني الذي هو برهان حقيقة ، فلا تنافي حينئذ بين كونهما من الوجدانيات ، وبين إقامة البرهان على إثباتهما لتنبيه النفس على كونهما من الوجدانيات.
(٤) الصفات على قسمين :
الصفات الحقيقية : التي لا تتغير بتغيّر الإضافات والاعتبارات.
والصفات الإضافية : التي تتغير بالإضافات والاعتبارات.
يقول المصنف : إن المجمل والمبيّن ليسا من القسم الأول ـ بأن يكون اللفظ مجملا عند الجميع أو مبيّنا كذلك ـ بل هما من القسم الثاني ، فيمكن أن يكون لفظ أو كلام مبينا عند شخص لعلمه بالوضع ، ومجملا عند غيره لعدم علمه بالوضع أو علمه بالوضع ؛ مع الظفر بقرينة مانعة عن الأخذ بمعناه ، فحينئذ يتصف لفظ أو كلام بالإجمال عند شخص وبالبيان عند غيره ، فيختلف الإجمال والبيان بحسب الأنظار والأشخاص ، فهما من الأمور الإضافية لا الأوصاف الحقيقية. إلّا إن ما أفاده المصنف من كونهما من الأمور الإضافية ليس في محله ؛ بل خطأ جدا ، وذلك لأن الجهل بالوضع والعلم به لا يوجبان الاختلاف في معنى الإجمال والبيان ؛ فجهل شخص بمعنى لفظ وعدم علمه بوضعه له لا يوجب كونه من المجمل ؛ وإلا لزم أن تكون اللغات العربية مجملة عند الفرس وبالعكس ، مع إن الأمر ليس كذلك.
لا يقال : لما ذا لم يهتم المصنف بالمجمل والمبين؟ حيث لم يضع لهما مقصدا كما وضعه لغيرهما كالعام والخاص والمطلق والمقيد.
فإنه يقال : إن وجه ذلك كون مباحثهما صغروية وليست بكبروية ، كما إن مباحث العام والخاص كبروية مثل أن العام بعد التخصيص هل حجة في الباقي أم لا؟ أو إذا ورد مطلق ومقيد متنافيين فهل يجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد أو بحمل المقيد على