وقد أورد عليه (١) : بأنّه لو كان العموم المستفاد من النهي بالإطلاق بمقدمات الحكمة ، وغير مستند إلى دلالته عليه بالالتزام (٢) لكان استعمال مثل : «لا تغصب» في بعض أفراد الغصب حقيقة ، وهذا واضح الفساد ، فتكون (٣) دلالته على العموم من جهة أنّ وقوع الطبيعة في حيّز النفي أو النهي يقتضي عقلا سريان الحكم إلى جميع الأفراد ، ضرورة (٤) : عدم الانتهاء عنها أو انتفائها إلّا بالانتهاء عن الجميع أو انتفائه (٥).
______________________________________________________
تكون دلالة النهي أقوى من دلالة الأمر حتى يقدّم النهي عليه.
(١) قد أورد على الإيراد المذكور بما حاصله : أن دلالة النهي على العموم إنّما تكون من ذات النهي لا بمقدمات الحكمة ؛ إذ لو كان العموم مستفادا من مقدمات الحكمة لزم أن يكون استعمال «لا تغصب» في خصوص فرد من أفراده على نحو الحقيقة ، لما تقرر في محلّه : من أنّ إطلاق المطلق وإرادة فرد من أفراده يكون على نحو الحقيقة ، مع إنّ إطلاق «لا تغصب» على فرد خاص من أفراده يكون مجازا ، فلا يكون العموم في النهي مستفادا من مقدمات الحكمة ؛ بل العموم مستفاد من ذات النهي.
(٢) يعني : دلالة النهي على العموم تكون بالدلالة الالتزامية ؛ لأن النهي يدل على ترك الطبيعة بالدلالة المطابقية ، وعلى انتفاء جميع الأفراد بالدلالة الالتزامية ؛ لأن الطبيعة متحققة في جميع الأفراد ، فلا تنتفي إلّا بانتفاء جميعها ، فيدل على العموم أعني : انتفاء جميع الأفراد بالالتزام.
قوله : «وهذا واضح الفساد» أي : كون استعمال «لا تغصب» في بعض الأفراد حقيقة واضح الفساد ؛ لأن المتبادر من اللفظ عرفا : هو الإطلاق وعدم الخصوصية ، فلا بدّ أن يكون الاستعمال في الخصوصيّة مجازا.
(٣) هذا متفرع على إبطال كون العموم مستندا إلى مقدمات الحكمة.
وحاصل التفريع : أن دلالة النهي على العموم ليست بمقدمات الحكمة ؛ بل بذاته يدل على العموم التزاما ؛ بمعنى : أن لازم وقوع الطبيعة في حيّز النفي أو النهي الدّال على مبغوضية وجودها هو سريان الحكم إلى جميع أفراد الطبيعة ؛ لتوقف ترك الطبيعة على ترك جميع أفرادها ، فالنهي بالالتزام العقلي يدلّ على العموم والاستيعاب. وعلى هذا : فأقوائية دلالة النهي على العموم الاستغراقي من دلالة الأمر على العموم البدلي في محلّها ، فلا إشكال في تقديم النهي على الأمر.
(٤) تعليل لسريان الحكم إلى جميع الأفراد.
(٥) أي : انتفاء الجميع.