أن العموم المستفاد منهما كذلك إنّما هو بحسب ما يراد من متعلّقهما ، فيختلف (١) سعة وضيقا ، فلا يكاد يدل على استيعاب جميع الأفراد إلّا إذا أريد منه الطبيعة مطلقة وبلا قيد ، ولا يكاد يستظهر ذلك مع عدم دلالته عليه بالخصوص إلّا بالإطلاق وقرينة الحكمة ؛ بحيث لو لم يكن هناك قرينتها بأن يكون الإطلاق في غير مقام البيان لم يكد يستفاد استيعاب أفراد الطبيعة (٢) ، وذلك (٣) لا ينافي دلالتهما على استيعاب
______________________________________________________
الحكمة ؛ المشار إليه في قوله : «كذلك» هو العموم الاستيعابي. وضمير «منهما» يعود إلى النفي والنهي.
(١) أي : فيختلف العموم سعة وضيقا ، فلا يدل على استيعاب جميع الأفراد «إلّا إذا أريد منه» أي : المتعلق «الطبيعة مطلقة وبلا قيد ، ولا يكاد يستظهر ذلك» أي : إطلاق الطبيعة الّتي تعلق بها النفي والنهي «مع» فرض «عدم دلالته عليه» أي : عدم دلالة المتعلق على الإطلاق إلّا بقرينة الحكمة ، «بحيث لو لم يكن هناك قرينتها» أي : قرينة الحكمة.
قوله : «بأن يكون الإطلاق» بيان لمورد عدم قرينة الحكمة ؛ إذ من شرائط جريان قرينة الحكمة : كون المتكلم في مقام البيان.
(٢) أي : لم يكد يستفاد من اللفظ استيعاب أفراد الطبيعة المطلقة وبلا قيد ؛ لأنّ استيعاب أفرادها موقوف على إطلاقها المنوط بجريان مقدمات الحكمة.
وتوضيح المقام ـ على ما في «الوصول إلى كفاية الأصول ، ج ٢ ، ص ٤٤٣» ـ أن العموم المستفاد من النهي إنّما هو بأمرين : الإطلاق والعقل ؛ إذ لو لم يكن المتعلق مطلقا ـ بأن كان مهملا أو مقيدا ـ لم يحكم العقل إلّا بانتفاء أفراد ذاك المهمل أو المقيد لا العموم.
مثلا : «لا تغصب في يوم الجمعة» لا يدل عقلا إلّا على استيعاب أفراد الطبيعة المقيدة بيوم الجمعة ، وبهذا تبيّن : أنّ دلالة العقل وحدها غير كافية في الحكم بعموم المتعلق ، وإنما يحتاج العموم إلى الإطلاق علاوة على العقل ، فكون النهي عن المطلق يفهم من المقدمات ، وكون المطلق يستلزم الاستيعاب يفهم من دلالة العقل بالسراية.
(٣) يعني : وعدم استظهار إطلاق الطبيعة إلّا من مقدمات الحكمة لا ينافي دلالة النفي والنهي على استيعاب أفراد ما يراد من المتعلق.
وخلاصة الكلام : أنّه لا منافاة بين احتياج استظهار استيعاب الجميع إلى مقدمات الحكمة ، وبين كون النفي والنهي للعموم والاستيعاب.
وجه عدم المنافاة : أنهما وضعا لاستيعاب ما أريد من متعلّقهما سواء كان مطلقا أم