.................................................................................................
______________________________________________________
على مقدمة وهي : أن المسائل الأصولية ـ على ما هو مختار المصنف كما تقدم ـ في أوّل الكتاب ـ على قسمين :
الأول : أن المسألة الأصولية تقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الشرعي الفرعي ، كبحث حجيّة خبر الواحد ، حيث أن نتيجة البحث هي الحجيّة ، فتقع في طريق الاستنباط ، فيقال : إن هذا ما دل خبر العادل على وجوبه ، وكل ما دل خبر العادل على وجوبه فهو واجب ، فهذا واجب.
وبعبارة أخرى : المسألة الأصولية يصحّ جعلها كبرى للصغريات الوجدانية حتى تنتج الحكم الفرعي مثل أن يقال : هذه مقدمة الواجب ، وكل مقدمة الواجب واجبة ، فهذه واجبة.
الثاني : ما ينتهي إليه الفقيه في مقام العمل ؛ كالاستصحاب والبراءة ونحوهما مما يعمل بها عند اليأس عن الدليل الاجتهادي.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن أحكام القطع ليست كذلك ، أي : لا تقع في طريق الاستنباط ، ولا ينتهي إليها الفقيه في مقام العمل.
وأما عدم كونها من القسم الأول : فلأنه لا يصح أن يقال : الخمر معلوم الحرمة ، وكل معلوم الحرمة حرام ، فالخمر حرام ؛ إذ يلزم منه كون الشيء سببا لنفسه لأنه صار العلم بحرمة الخمر سببا للعلم بحرمة الخمر.
وإن عكست وقلت : هذا معلوم الخمرية ، وكل معلوم الخمرية حرام ، فهذا حرام يلزم أن يكون العلم جزء الموضوع ، ويكون التحريم عارضا على معلوم الخمرية لا على نفس الخمر ، وهو خلف ؛ لأن التحريم يعرض نفس الخمر حيث قال الشارع : الخمر حرام كما في قوله تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ)(١) ، يعني : يجب الاجتناب عن الخمر لا عن الخمر المعلوم.
فالمتحصل : أنه يلزم من جعل مسائل القطع كبرى أحد المحذورين ، إما اتحاد السبب والمسبب ، وإمّا الخلف ، وكلاهما محال وباطل.
وأما عدم كونها من القسم الثاني : فلأن هذه المباحث ليست مما ينتهي إليها الفقيه في مقام العمل بعد الفحص والبحث عن الأدلة الاجتهادية ؛ لأن حجيّة القطع ليست منوطة بالفحص والبحث عن الدليل الاجتهادي ، بخلاف ما ينتهي إليه الفقيه كالاستصحاب
__________________
(١) المائدة : ٩٠.