حقيقة ولا تعبدا إلا حكم إنشائي لا حكم إنشائي أدت إليه الأمارة ، أما حقيقة : فواضح ، وأما تعبدا : فلأن قصارى ما هو قضية حجية الأمارة كون مؤداها هو الواقع تعبدا ؛ لا الواقع (١) الذي أدت إليه الأمارة ، فافهم (٢).
اللهم إلا أن يقال (٣) : إن الدليل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع الذي صار مؤدى
______________________________________________________
حينئذ لحجية الأمارة ؛ إذ لا شك في الواقع حتى يحرز بالتعبد. وإن كان قيد الحكم الواقعي ـ أعني : مؤدى الأمارة ـ فلا يتصور كونه مؤدى الأمارة بالوجدان ؛ إذ هذا الإحراز منوط بإحراز الواقع ؛ إذ لا يعقل إحراز القيد وجدانا مع عدم إحراز نفس المقيد أعني : الواقع كذلك ، وحيث إن نفس المقيد لم يحرز ؛ إذ لو كان محرزا لم يبق مجال لحجية الأمارة كما تقدم ، فلا يعقل إحراز قيده فقط كما لا يخفى.
وبالجملة : فلا يمكن تكفل دليل التعبد لإحراز قيد الحكم الإنشائي ، وهو اتصافه بكونه مؤدى الأمارة.
نعم ؛ لو فرض دليل آخر غير دليل حجية الأمارات يدل على اعتبار قيام الأمارة في فعلية الأحكام الإنشائية ، فيصير الحكم الذي قامت عليه الأمارة فعليا لوجود القيد ـ أعني : قيام الأمارة بالوجدان ـ لكن ذلك الدليل مفقود. «منتهى الدراية ، ج ٤ ، ص ٢٣٨».
قوله : «حكم» في «إلا حكم» نائب فاعل «يحرز» ، وقوله : «لا حقيقة ولا تعبدا» قيد لقوله : «يحرز».
(١) يعني : أن الأمارة تؤدي إلى الواقع بما هو واقع ؛ لا الواقع المتصف بكونه مؤدى الأمارة ، لأن الأمارة لا تزيد على العلم الوجداني ، فإن العلم يتعلق بنفس الواقع لا الواقع بعنوان كونه معلوما.
والمتحصل : إن ما نحن فيه كالماء الكر حيث لا يكون مطهرا إلا أن يتحقق جزءاه ـ المائية والكرية ـ إما علما أو تنزيلا وتعبدا ، أو بالاختلاف حتى يتحقق كونه مطهرا ، فإذا لم يثبت أحدهما لا حقيقة ولا تعبدا لم يثبت كونه مطهرا.
(٢) لعله إشارة إلى : أنه لو فرض إمكان دلالة دليل غير الأمارة على كون مؤداها هو الواقع المتصف بكونه مؤدى الأمارة ؛ لم يكف ذلك أيضا في الحكم بالفعلية ؛ لأن الحكم بها منوط بدلالة دليل على هذا الوصف ، ولم يثبت ، فالقول بصيرورة الأحكام الإنشائية فعلية بمجرد قيام الأمارة عليها خال عن الدليل.
(٣) وحاصل الكلام في المقام : أن دليل تنزيل المؤدى منزلة الواقع كاف في ثبوت