واقعا عدم حجيته جزما ، بمعنى : عدم ترتب الآثار المرغوبة من الحجية عليه (١) قطعا ، فإنها (٢) لا تكاد تترتب إلا على ما اتصف بالحجية فعلا ، ولا يكاد يكون الاتصاف بها (٣) إلا إذا أحرز التعبد به وجعله (٤) طريقا متبعا ، ...
______________________________________________________
الأصل حجيتها أو عدم حجيتها؟
يقول المصنف «قدسسره» : إن الأصل عدم حجيتها ، بمعنى : أنه بمجرد أن نشك في حجية أمارة ثبوتا يقطع بعدم حجيتها إثباتا أي : لا يترتب عليها آثار الحجية في مقام الإثبات ، وذلك لأن آثار الحجية من المنجزية عند الإصابة والعذرية عند الخطأ ، وحكم العقل بوجوب المتابعة لا تكاد تترتب إلا على ما اتصف بالحجية الفعلية ، أي : المحرزة بالعلم في مقام الإثبات ، لا على ما اتصف بمطلق الحجية ولو ثبوتا وإن لم يعلم بها إثباتا.
توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : إن الحجية شرعا على قسمين :
أحدهما : الحجية الإنشائية.
الثاني : الحجية الفعلية وهي العلم بالحجية الإنشائية.
ثم الآثار الشرعية أو العقلية على قسمين :
قسم : يترتب على نفس وجود الشيء واقعا ، علم به العبد أم لم يعلم ؛ كحرمة شرب الخمر ، حيث تترتب على الخمر الموجود ، سواء علم به المكلف أم لم يعلم.
وقسم : يترتب على وجوده العلمي أي : بوصف كونه معلوما مثل آثار الحجية حيث تترتب على الحجية الفعلية المعلومة.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه يكفي في عدم الحجية الشك في الحجية وعدم العلم بها ، ولازم ذلك : عدم الحاجة في إثبات عدم ترتب آثار الحجية على الأمارة المشكوكة حجيتها إلى إجراء أصالة عدم الحجية ؛ بل لا يعقل إجراؤها ؛ لاستلزامها إحراز ما هو المحرز وجدانا بالتعبد. وهو محال لكونه بمثابة تحصيل ما هو حاصل.
توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».
(١) هذا الضمير وضمير «حجيته» راجعان إلى الموصول في «ما لا يعلم» ، فالحجية الفعلية تتوقف على العلم بها ، وأما الإنشائية : فلا تتوقف على العلم بها.
(٢) أي : فإن الآثار المرغوبة ، وهذا تعليل لقوله : «عدم ترتب».
(٣) أي : بالحجية بمعنى : إن الآثار المرغوبة لا تترتب إلا على ما ثبت حجيته فعلا ، ولا تثبت الحجية الفعلية إلا بعد إحراز التعبد به وجعله طريقا متبعا.
(٤) عطف تفسيري ل «التعبد» ، وضميره وضمير «به» راجعان على الموصول ، المراد به