ولا يخفى : أن ذلك (١) لا يكون بجعل جاعل ؛ لعدم جعل تأليفي حقيقة بين الشيء ولوازمه ؛ بل عرضا يتبع جعله بسيطا.
______________________________________________________
في امتناع جعل حجيّة القطع
(١) أي : وجوب العمل على وفق القطع : لا يكون بجعل جاعل ...» الخ. والمقصود من هذه العبارة : إثبات امتناع جعل حجية القطع إثباتا ونفيا.
توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : إن الجعل على قسمين :
أحدهما : هو الجعل البسيط.
وثانيهما : هو الجعل المركب والتأليفي.
والفرق بينهما : أن الأول : هو الإيجاد بمفاد «كان» التامة ، فمعنى جعل شيء : هو إيجاده والثاني : هو الإيجاد بمفاد «كان» الناقصة بمعنى جعل شيء لشيء.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن القطع وإن كان مجعولا بالجعل البسيط ضرورة : كونه حادثا لا قديما إلا إن الجعل البسيط ليس موردا للبحث ، وإنما الكلام في الجعل التأليفي أعني : جعل الحجية للقطع ، ولا يتحقق ذلك إلا في الأعراض المفارقة والمحمولات غير الضرورية ؛ كجعل زيد عالما ، وجعل جسم أبيض ، ولا يتصور في اللوازم الذاتية والمحمولات الضرورية ؛ إذ لا يعقل الجعل التركيبي بين الشيء ولوازمه الذاتية كالنار والإحراق والأربعة والزوجية ، وقد عرفت : أن حجية القطع كانت من لوازمه الذاتية ، فلا تكون بجعل جاعل لا إثباتا ولا نفيا ؛ لما عرفت من : أن ثبوت لازم الشيء له ضروري ، وسلبه عنه مستحيل.
ومن هنا يظهر امتناع المنع عن حجيّة القطع ؛ وذلك لاستحالة المنع عن الأثر الذاتي وهو معنى قولهم : القطع حجة بنفسه لا تناله يد الجعل لا نفيا ولا إثباتا.
ثم إن تأثير القطع في تنجّز التكليف به عند الإصابة وعذريته عند الخطأ عن قصور حيث كان لازما ذاتيا له صحّ أن يقال : إن القطع حجة ذاتا.
وحيث إن الأثر مما يدركه بنفسه أو يحكم بنفسه بلزوم ترتبه على المقطوع ، من غير حاجة تصريح الشرع به صح أن يقال : إن القطع حجة عقلا ، في قبال الأمارات الظنية المنصوبة من قبل الشارع كخبر الثقة ونحوه مما لا يدرك العقل حجيّته بنفسه وإنما هو صار حجة بجعل الشارع الحجيّة له جعلا تأليفيا.
نعم ؛ يكون جعل اللازم بالعرض والمجاز وبتبع جعل ملزومه ؛ كما أشار إليه بقوله : «بل عرضا بتبع جعله بسيطا».