ولو فرض جواز الاستدلال بها ، فلا وجه لملاحظة الترجيح بينها ، بعد كون الأصل في تعارض الأمارات هو : سقوطها عن الحجية في خصوص المؤدى ، بناء على اعتبارها من باب الطريقية ، والتخيير بينها بناء على السببية ، مع عدم دليل على الترجيح في غير الروايات من سائر الأمارات ، فلا بد من الرجوع حينئذ إلى الأصل أو العموم ، حسب اختلاف المقامات.
______________________________________________________
الثاني : هو الاختلاف من حيث المادة دون الصورة ، كقوله تعالى : كيف ننشرها (١) حيث قرء بالزاء والراء كما في مجمع البيان في ذيل آية ٢٥٩ من سورة البقرة.
الثالث : الاختلاف في الصورة والمؤدى دون المادة ، كقوله تعالى : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ)(٢) حيث قرئ ـ قوله تعالى : ـ (يَطْهُرْنَ) بالتشديد والتخفيف ، فعلى الأول : يحرم الجماع والمقاربة قبل الغسل ، وعلى الثاني : قبل النقاء.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن محل النزاع مختص بما إذا كان الاختلاف في القراءة موجبا للاختلاف في المؤدى ، سواء كان موجبا للاختلاف في المادة والصورة أم لا ؛ كما هو ظاهر المصنف حيث قال : «إن الاختلاف في القراءة بما يوجب الاختلاف في الظهور» ، وهذا احتراز عن الاختلاف غير الموجب لاختلاف الظهور مثل : (الصِّراطَ) و «السراط».
وأما حكم اختلاف القراءات الموجب لاختلاف الظهور : فهو منع التمسك بالقرآن ؛ وذلك لعدم إحراز ما هو القرآن حتى يستدل بظاهره لإثبات الحكم الشرعي.
وتوضيح جميع جوانب مسألة اختلاف القراءات يتوقف على مقدمة وهي : بيان الاحتمالات والصور المتصورة في القراءات من حيث التواتر وعدمه ، وجواز الاستدلال بكل منها وعدمه فهناك صور :
الصورة الأولى : هي ثبوت تواترها.
الصورة الثانية : هي جواز الاستدلال بكل منها على تقدير عدم ثبوت تواترها.
الصورة الثالثة : هي جواز القراءة على طبق كل قراءة فقط ، من دون ثبوت التواتر ولا جواز الاستدلال بها ، بمعنى : أن جواز القراءة على طبق قراءة لا يلازم جواز الاستدلال بتلك القراءة.
__________________
(١) البقرة : ٢٥٩.
(٢) البقرة : ٢٢٢.