ومع الانسداد كان قوله معتبرا إذا أفاد الظن من باب حجية مطلق الظن ؛ وإن فرض انفتاح باب العلم باللغات بتفاصيلها فيما عدا المورد (١).
نعم (٢) ؛ لو كان هناك دليل على اعتباره ، لا يبعد أن يكون انسداد باب العلم بتفاصيل اللغات موجبا له على نحو الحكمة لا العلة (٣).
______________________________________________________
يلزم من إجراء أصل البراءة في موارد الجهل بتفاصيل اللغات محذور الخروج عن الدين ، ومع عدم لزوم أحد هذين المحذورين لا يتم دليل الانسداد لإثبات حجية الظن الحاصل من قول اللغوي.
نعم ؛ إذا ترتب أحد المحذورين المتقدمين : ثبت انسداد باب العلم والعلمي في معظم الأحكام ، فيصير مطلق الظن ـ الذي منه الظن الحاصل من قول اللغوي ـ حجة.
فالنتيجة : أنه لا تتم مقدمات الانسداد الصغير لإثبات حجية قول اللغوي.
(١) أي : فيما عدا المورد الذي لا يعلم تفصيل المعنى اللغوي فيه.
(٢) استدراك على ما أفاده من أن انسداد باب العلم بتفاصيل اللغات غالبا مما لا يوجب اعتبار قول اللغوي ، وأن المناط هو الانسداد في الأحكام.
وحاصل الاستدراك : أن الانسداد في اللغات وإن لم يترتب اعتبار قول اللغوي عليه ؛ لعدم كونه دليلا على ذلك ، لكن يمكن أن يكون انسداد باب العلم بتفاصيل اللغات حكمة لاعتبار قول اللغوي من باب الظن الخاص إذا قام هناك دليل خاص على اعتباره ، فيكون حينئذ من الظنون الخاصة ؛ وإن كانت الحكمة في اعتبارها انسداد باب العلم في غالب مواردها ؛ كما في الرسائل. «دروس في الرسائل ، ج ١ ، ص ٣١٣».
(٣) توضيح الفرق بين الحكمة والعلة : إن الحكمة لا يلازم ثبوتها وجود الحكم ، فلا يدور الحكم مدارها ؛ كاستحباب غسل الجمعة ، حيث كانت حكمته إزالة الأوساخ ، مع أن الاستحباب ثابت وإن لم يكن هناك وسخ أصلا.
هذا بخلاف علة الحكم ؛ فإنها تلازم ثبوت الحكم ، فالحكم دائما يدور مدارها وجودا وعدما ؛ كانسداد باب العلم والعلمي في الأحكام الشرعية يكون علة لاعتبار الظن المطلق. فالحكم في مورد الحكمة أوسع من حكمته ، فالانسداد بتفاصيل اللغات وإن كان حكمة في اعتبار هذه الظنون الخاصة ؛ ولكن مجرد انسداد باب العلم في غالب مواردها لا يصير سببا لكونها ظنونا مطلقة ؛ بل المناط في كونها مطلقة : أن تكون علة جعلها حجة انسداد باب العلم في الأحكام الشرعية ، وليس الأمر كذلك.