فصل
في الآيات التي استدل بها :
فمنها : آية النبأ ، قال الله «تبارك وتعالى» : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)(*). ويمكن تقريب الاستدلال بها من وجوه (١) : أظهرها : أنه من جهة مفهوم الشرط ، وأن
______________________________________________________
في آية النبأ
(١) منها : أن التبين المأمور به بقوله تعالى : (فَتَبَيَّنُوا) هو التبين العرفي المفيد للاطمئنان ؛ وإن لم يفد القطع الوجداني بالواقع ، ومن المعلوم : أن خبر العادل ـ بما أنه خبر العادل ـ مفيد للاطمئنان ، ومعه فلا يبقى موضوع لوجوب التبين عرفا بالنسبة إليه ، فكأنه قيل : «إن أخبركم من لا يفيد قوله : الاطمئنان (فَتَبَيَّنُوا)» ، فيكون مفهومه «إن أخبركم من يفيد قوله الاطمئنان ـ وهو خبر العادل ـ لم يجب التبين فيه» ، فالآية المباركة حينئذ : تكون في مقام وجوب التبين في خبر الفاسق ، لأجل تحصيل الاطمئنان بصدق خبره ، وعدم وجوبه في خبر العادل ؛ لأن الاطمئنان بصدق خبره حاصل ، فلا موضوع لوجوب التبين في خبر العادل ؛ بل هو تحصيل ما هو حاصل.
ومنها : من جهة التعليل في الآية الشريفة بخوف الوقوع في الندم ، فإنه يقتضي اعتبار خبر العادل ؛ إذ لا يترتب الندم إلا على ما لا يحسن ارتكابه عند العقلاء ، ومنه الاعتماد على خبر الفاسق بدون التبين.
وهذا بخلاف الاعتماد على خبر العادل بدونه ، فإنه ليس مما لا يحسن ارتكابه ، حتى إذا انكشف خطؤه ؛ إذ لا يزيد خبر العادل على العلم الذي يعتمد عليه العالم ، ثم ينكشف خطؤه ، فكأنه قيل : «إن أخبركم من لا يوجب الاعتماد على خبره خوف الوقوع في الندم ـ وهو العادل ـ فلا يجب التبين عنه».
ومنها : من جهة مفهوم الوصف على القول به ، بأن يقال : إن تعليق وجوب التبين على كون الخبر نبأ الجائي الفاسق يقتضي انتفاءه عند انتفاء وصف الجائي ، أعني : فسقه ،
__________________
(*) الحجرات : ٦.