.................................................................................................
______________________________________________________
الثالث : أن التحذر قد جعل غاية للإنذار الواجب ، وغاية الواجب واجبة ، فيكون التحذر واجبا. هذا خلاصة الكلام في وجوب الحذر.
٣ ـ الإشكال على الوجه الأول : هو منع الملازمة بين حسن الحذر ووجوبه عقلا وشرعا ؛ لأن الملازمة عقلا إنما هي فيما إذا كان الحذر عن العقوبة بقيام الحجة على التكليف ، فيكون منجزا حتى يكون على مخالفته عقوبة ، والمفروض : عدم قيام الحجة على التكليف ، فلا ملازمة عقلا بين حسن الحذر ووجوبه ؛ وذلك لحسن الحذر من باب الاحتياط ، من دون أن يكون واجبا.
وأما عدم الفصل بين حسن الحذر ووجوبه شرعا : فغير ثابت فيما لم يقم حجة على التكليف ، فإن الثابت في المقام : هو عدم القول بالفصل ؛ لا عدم الفصل في الواقع ، ولعل في الواقع فصل لم يقل به أحد ، فحينئذ : يكون الحذر حسنا من دون أن يكون واجبا.
٤ ـ الإشكال على الوجه الثاني والثالث :
أما على الوجه الثاني : فلأنه لا تنحصر فائدة الإنذار بوجوب التحذر تعبدا ، ولو لم يحصل العلم ؛ بل يمكن أن تكون فائدته هو وجوب التحذر عند حصول العلم بالمنذر به.
وأما على الوجه الثالث : فلأنه لا إطلاق يقتضي وجوب التحذر مطلقا ، سواء حصل العلم أم لا ؛ إذ ليس المتكلم في مقام بيان غايتية الحذر ، كي يتمسك بإطلاق الكلام من هذه الجهة ؛ بل في مقام بيان وجوب النفر ، فلا ينفع في إثبات الإطلاق في الغاية ؛ إذ من المحتمل أن تكون الغاية هو الحذر عند حصول العلم.
٥ ـ الإشكال على جميع الوجوه الثلاثة : بأن غاية المدلول الآية المباركة هو حجية الإنذار ، وهو الإبلاغ مع التخويف ، هذا أجنبيّ عن حجية خبر الواحد بمعنى : مجرد نقل الرواية إلى الغير من دون أن يكون مشتملا على التخويف ، فالآية لا تدل على اعتبار الخبر بما هو خبر ؛ بل تدل على اعتباره بما هو إنذار ، فالتوعيد والتخويف شأن الواعظ في مقام الإرشاد وشأن المجتهد في مقام الإفتاء. فالأولى الاستدلال بها على اعتبار الفتوى.
وخلاصة الجواب عن هذا الإشكال : أن الرواة في الصدر الأول كانوا نظير نقلة الفتاوى في هذا العصر ، فكما يصح التخويف من نقلة الفتاوى ، فكذلك يصح من نقلة الروايات.