إن قلت : إذا لم يكن الفعل كذلك (١) ، فلا وجه لاستحقاق العقوبة على مخالفة القطع ، وهل كان العقاب عليها إلا عقابا على ما ليس بالاختيار؟
قلت (٢) : العقاب إنما يكون على قصد العصيان ، والعزم على الطغيان ؛ لا على
______________________________________________________
والقبح أو الوجوب والحرمة ـ إلا إذا كانت تلك الصفة اختيارية لا غير اختيارية كما في المقام ، حيث كان عنوان «المقطوع به» مغفولا عنه ، فلا يترتب عليه حسن ولا قبح ولا وجوب ولا حرمة لعدم كونه اختياريا.
فالمتحصل : إن القطع ليس من العناوين المحسّنة والمقبحة أوّلا ، وعلى تقدير تسليم كونه من تلك العناوين : ليس موجبا للحسن والقبح في خصوص المقام ؛ لعدم الالتفات إليه ، فلا يكون اختياريا حتى يكون محسنا أو مقبحا.
(١) أي : إذا لم يكن الفعل المتجرى به بما هو مقطوع الحرمة اختياريا لعدم الالتفات إلى هذا العنوان ، «فلا وجه لاستحقاق العقوبة على مخالفة القطع» ؛ لأن المائع المزعوم كونه خمرا بعنوان أنه مقطوع الخمرية ليس اختياريا حتى يوجب العقاب ، فحينئذ ليس العقاب على مخالفة القطع إلا عقابا على ما ليس بالاختيار ؛ إذ ما قصده من شرب الخمر لم يقع ، والذي وقع من شرب معلوم الخمرية لم يكن باختيار ، فلا يصح العقاب ، وعليه : فلا بدّ من رفع اليد عما تقدم من استحقاق العقوبة على الفعل المتجرى به ، أو الالتزام بصحة العقوبة على ما ليس باختياري. فهذا الإشكال ناظر إلى قوله : «ولا يكاد يكون صفة موجبة لذلك إلا إذا كانت اختيارية». وقد تقدم توضيح الإشكال.
وكيف كان ؛ فالالتزام بعدم كون الفعل المتجري به ـ بعنوان كونه معلوم الوجوب أو الحرمة ـ اختياريا وبقائه على ما هو عليه واقعا من الملاك ينافي ما اعترف به سابقا من استحقاق العقوبة عليه ؛ إذ من لوازم عدم اختيارية عنوان معلوم الحرمة أو الوجوب عدم استحقاق العقوبة على الفعل المتجرى به المتصف بهذا العنوان الغير الاختياري ، والمفروض أيضا : عدم كون الفعل بنفسه موجبا لاستحقاق العقوبة.
(٢) هذا دفع للإشكال فيقال في دفع هذا الإشكال : إنه وارد لو قلنا بأن العقاب على الفعل وليس كذلك حتى يقال بأن الفعل المتجرّى به ليس اختياريا لأجل الغفلة ، فكيف يوجب استحقاق العقوبة عليه؟
بل نقول : إن استحقاق العقوبة إنما هو على قصد المخالفة والطغيان والخروج عن رسوم العبودية ، فلا أساس لهذا الإشكال أصلا ؛ إذ لو كان الاستحقاق على نفس الفعل توجّه إشكال المنافاة المتقدم بيانه.