ولا يخفى : أنه على هذا (١) لا وجه لدعوى استقلال العقل بوجوب الاحتياط في بعض الأطراف ، بعد رفع اليد عن الاحتياط في تمامها ؛ بل لا بد من دعوى وجوبه شرعا كما أشرنا إليه (٢) في بيان المقدمة الثالثة ، فافهم وتأمل جيدا.
وأما الرجوع إلى الأصول (٣) : فبالنسبة إلى الأصول المثبتة من احتياط أو
______________________________________________________
(١) أي : على ما ذكره الشيخ «قدسسره» في معنى نفي الضرر والحرج ، ثم قال بحكومة أدلة نفي الحرج على الاحتياط : «لا وجه لدعوى استقلال العقل بوجوب الاحتياط في بعض الأطراف» ، يعني : هذا تعريض بالشيخ «قدسسره» ، حيث إنه ذهب إلى وجوب الاحتياط في بقية الأطراف بعد ارتفاع وجوبه في جميعها بقاعدة نفي العسر ، حيث قال بما حاصله : من أنه إذا كان مقتضى الاحتياط هو الإتيان بجميع المحتملات ، وقام دليل شرعي على عدم وجوب إتيان بعض المحتملات في الظاهر تعين مراعاة الاحتياط في باقي المحتملات.
وذهب المصنف : إلى عدم وجوب الاحتياط في بقية الأطراف بعد ارتفاع وجوبه في جميعها ، فاعترض على الشيخ بما حاصله : من أنه لا موجب لرعاية الاحتياط في بقية الأطراف ، حيث إن التكليف المعلوم إجمالا إن كان في مورد الاضطرار : فلا علم بالتكليف في غير ما اضطر إليه ، ومع عدم العلم به لا موجب للاحتياط فيه ، فلا وجه لدعوى استقلال العقل بلزوم الاحتياط في بعض الأطراف ؛ بل لا بد من دليل آخر شرعي يقوم على وجوب الاحتياط ، كما إذا استكشف وجوبه من اهتمام الشارع بحفظ أحكامه ، حتى في ظرف الجهل والانسداد ؛ وإلا فلا وجه للاحتياط العقلي.
(٢) أي : إلى وجوب الاحتياط شرعا في المقدمة الثالثة ، حيث قال : «وقد علم به بنحو اللم ، حيث علم اهتمام الشارع بمراعاة تكاليفه» ، فراجع تفصيل ذلك في المقدمة الثالثة. هذا تمام الكلام في المطلب الأول أعني : عدم وجوب الاحتياط بل عدم جوازه.
(٣) هذا شروع في المطلب الثاني ـ وهو ـ إبطال الرجوع إلى الأصل العملي في كل مسألة بخصوصها.
توضيح ذلك : أن الأصول على قسمين : ١ ـ الأصول المثبتة. ٢ ـ الأصول النافية.
الأول : كالاحتياط والاستصحاب المثبت.
الثاني : كالبراءة والاستصحاب النافي ، فالاستصحاب المثبت مطابق للاحتياط ، والنافي مطابق للبراءة ، فيقع الكلام في الأصول المثبتة تارة ، وفي الأصول النافية أخرى.
وقد استدل على بطلان الرجوع إلى الأصول المثبتة بوجهين :