وقد يؤخذ في موضوع حكم آخر يخالف متعلقه لا يماثله ولا يضاده ؛ كما إذا ورد مثلا في الخطاب : أنه (إذا قطعت بوجوب شيء يجب عليك التصدق بكذا) ، تارة بنحو : يكون تمام الموضوع بأن يكون القطع بالوجوب مطلقا ولو أخطأ موجبا لذلك ، وأخرى : بنحو يكون جزءه وقيده ؛ بأن يكون القطع به في خصوص ما أصاب موجبا
______________________________________________________
هذا تمام الكلام في المقام الأول.
وأما المقام الثاني : ـ وهو عدم قيام الأمارات مقام القطع الموضوع المأخوذ على نحو الصفتية ـ فلأن مفاد دليل اعتبار الأمارة هو ترتيب آثار القطع بما أنه كاشف وطريق على الأمارة ؛ إذ قد عرفت : أن تلك الآثار مترتبة على القطع بلحاظ كشفه عن الواقع ؛ لأنه بهذا اللحاظ منجّز للواقع مع الإصابة ، ومعذر مع الخطأ ، ولا تترتب الآثار على القطع بلحاظ صفة من الصفات النفسانية ، ضرورة : أنه بهذا اللحاظ يكون كسائر الصفات النفسانية ؛ كالشجاعة والسخاوة والعدالة في أجنبية الحجية المتقومة بالكشف ؛ إذ الأدلة الدالة على اعتبار الأمارات لا تجعلها صفة القطع ؛ بل تجعلها كالقطع في الطريقية. نعم ؛ يمكن قيام الأمارات مقام القطع الموضوعي على نحو الصفتية بالدليل الخاص وهو خارج عن محل الكلام ؛ فقيام الأمارات مقام القطع الموضوعي الملحوظ صفة منوطة بدليل آخر غير الأدلة العامة الدالة على حجيّة الأمارات.
وأما المقام الثالث : ـ وهو عدم قيام الأمارات بمجرد أدلة اعتبارها مقام القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية ـ فلأن أدلة اعتبار الأمارات لا تثبت لها أزيد من كونها كالقطع في الكشف عن الواقع حكما كان أم موضوعا ، فإذا كان للقطع حيثية أخرى غير الكشف والطريقية ـ ككونه مأخوذا في موضوع الحكم على وجه الطريقية ـ فأدلة اعتبارها قاصرة عن إثبات هذه الحيثية لها ، فقيام الأمارات مقام القطع الموضوعي الطريقي كقيامها مقام القطع الموضوعي الصفتي في عدم ثبوته بنفس أدلة اعتبارها.
وأما خلاصة الكلام في المقام الرابع : وهو قيام الأصول مقام القطع ، فما عدا الاستصحاب من الأصول العملية لا يقوم مقام القطع الطريقي المحض ؛ لأن مفاد هذه الأصول ليس إلا وظائف للجاهل بالأحكام ، فموضوع هذه الأصول هو الجهل بالأحكام ، فلا وجه لقيامها مقامه ؛ إذ مع الجهل لا نظر لها إلى الأحكام الواقعية أصلا ، ومع عدم النظر إليها كيف يعقل ترتيب أثر الطريقية إلى الواقع ـ من التنجيز والتعذير ـ على الأصول؟
هذا تمام الكلام في المقامات الأربعة.