لا يقال (١) : إن الاحتياط لا بأس بالقول بقيامه مقامه في تنجز التكليف لو كان.
فإنه يقال (٢) : أما الاحتياط العقلي : فليس إلا نفس حكم العقل بتنجز التكليف
______________________________________________________
القطع الطريقي المحض ؛ بخلاف الأصول فإنها لا طريقية لها ، بل أحكام عملية للجاهل بالواقع يعمل على طبقها حين اليأس عن وصول يده إلى الواقع علما أو علميّا ، فلو شك في مائع أنه حرام أم لا قالت البراءة العقلية والشرعية : إن مرتكبه معذور ، ولا تعيّن البراءة أنه خمرا وليس بخمر ، بخلاف خبر الواحد فإنه يقول : إنه خمر أو ليس بخمر والاستصحاب مثل الأمارات لكشفه عن الواقع ناقصا ، ولذا يقوم مقام القطع إذ ينزل الشك في البقاء منزلة اليقين بالبقاء في ترتيب ما له من الآثار ، فهو واسطة بين الأصول والأمارات ، ولذا يعبر عنه بعرش الأصول وفرش الأمارات ، فيقدم على الأصول ويؤخر عن الأمارات ، كما في «الوصول إلى كفاية الأصول ، ج ٣ ، ص ٣٢٣» مع تصرف منّا.
(١) وحاصل الإشكال : أن القطع كما أنه مما يتنجز به التكليف فكذلك الاحتياط مما يتنجز به التكليف ، فصح القول بقيام الاحتياط مقام القطع ، كما صح ذلك في الاستصحاب ، فيكون هذا الإشكال ناظرا إلى ما منعه المصنف «قدسسره» من قيام غير الاستصحاب مقام القطع ، فيقال : إن الاحتياط يقوم مقامه كالاستصحاب ؛ إذ كما يتنجز التكليف الواقعي بالقطع به ويستحق العقوبة على مخالفته والمثوبة على موافقته ، كذلك يتنجز بإيجاب الاحتياط فيقوم مقامه لفرض اشتراكه معه في أثره المهم وهو التنجيز ، غاية الأمر : المراد بالقطع الذي يقوم بعض الأصول مقامه هو خصوص القطع الطريقي. وكلمة كان في قوله : «لو كان» التامة.
(٢) هذا دفع للإشكال. وحاصل الدفع : أن الاحتياط إما عقلي وإما شرعي. وأما توضيح الجواب على الأول فيتوقف على مقدمة ، وهي : أنه لا بد في قيام شيء مقام شيء وتنزيل أحدهما منزلة الآخر من لحاظ كل واحد من المنزل والمنزل عليه ، ولازم ذلك : هو تعددهما ومغايرة المنزّل والمنزّل عليه ، وكذلك لا بد من المغايرة بين المنزّل وبين حكم المنزّل عليه الثابت للمنزل بسبب التنزيل ؛ كتنزل «الطواف بالبيت» منزلة «الصلاة» ، فإن الطواف مغاير لأحكام الصلاة الثابتة له ببركة التنزيل كمغايرته لنفس الصلاة ، وكذا الحال في قيام خبر الثقة مقام القطع في التنجيز مثلا ، فإن الخبر غير التنجيز الثابت له بتنزيله منزلة القطع ، فلو كان المنزّل نفس حكم المنزّل عليه لم يصح التنزيل.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه لا يصح تنزيل الاحتياط العقلي منزلة القطع ؛ إذ ليس الاحتياط العقلي إلّا نفس حكم العقل يتنجز التكليف وصحة العقوبة على المخالفة ، وليس شيئا آخر يقوم مقام القطع في هذا الحكم ، فلا مغايرة بين الاحتياط العقلي وبين