اللهم إلا أن يقال (١) : إن استقلال العقل بالمحذور فيه إنما يكون فيما إذا لم يكن هناك ترخيص في الإقدام والاقتحام في الأطراف ، ومعه لا محذور فيه ؛ بل ولا في الالتزام بحكم آخر.
إلّا إن الشأن (٢) في جواز جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي ، مع عدم ترتب أثر عملي عليها ، مع أنها أحكام عملية كسائر الأحكام الفرعية.
______________________________________________________
(١) هذا استدراك على قوله : «كما لا يدفع بها محذور عدم الالتزام به» ، ودفع للدور المذكور ، وتصحيح لكلام الشيخ الناظر إلى ارتفاع حكم العقل بلزوم الالتزام بالتكليف المحتمل.
وحاصل ما أفاده في هذا الاستدراك ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٤ ، ص ١٤١» ـ أن حكم العقل بلزوم الموافقة الالتزامية إن كان منجزا غير معلق على شيء ؛ بأن يكون العلم الإجمالي بالتكليف علّة تامة لفعليته الحتمية الموجبة لحكم العقل بلزوم الالتزام به كان للدور المذكور حينئذ مجال. وأما إذا كان حكم العقل بلزوم الموافقة الالتزامية معلقا على عدم مانع ؛ كالترخيص في ارتكاب الأطراف وجعل الحكم الظاهري على خلاف الحكم المعلوم بالإجمال ارتفع محذور عدم الالتزام ببركة الأصول بدون غائلة الدور ؛ لأن الأصول ترفع موضوع حكم العقل بلزوم الالتزام ؛ إذ موضوع حكم العقل معلق على عدم جريان الأصول.
وأما جريان الأصول : فلا يتوقف على شيء أصلا فلا دور أصلا.
ولهذا قال المصنف : «ومعه لا محذور فيه» أي : ومع الترخيص الكاشف عن عدم فعلية الواقع لا محذور في عدم الالتزام ؛ بل ولا محذور في الالتزام بحكم آخر مغاير للحكم الواقعي ، وهو الحكم الظاهري الذي يقتضيه الأصل ؛ كالالتزام بحلية شرب التتن التي هي حكم فعلي ظاهري يقتضيه الأصل مع فرض حرمته واقعا.
(٢) وحاصل الكلام في المقام : أنه لا إشكال في جريان الأصول من ناحية حكم العقل بلزوم الالتزام ؛ لكون حكم العقل بلزوم الالتزام تعليقيا ، لكن إنما الإشكال في جريان الأصول لأجل عدم المقتضي في أطراف العلم الإجمالي ؛ وذلك لما ثبت في محله من اعتبار الأثر العملي في جريان الأصول ؛ لأنها أحكام عملية كسائر الأحكام الفرعية ، فبدون الأثر العملي لا مقتضي لجريانها ، ومن المعلوم : عدم ترتب أثر عملي على جريانها في المقام ؛ لأن المكلف في موارد دوران الأمر بين المحذورين إما فاعل وإما تارك ، وعلى كل واحد منهما يحتمل كل من الموافقة والمخالفة ، فلا يوجب جريان الأصل أمرا زائدا