الاستحباب (١) ، أو تعارضه فيما لم يثبت بينهما (٢) ترجيح ، بناء (٣) على التوقف في مسألة تعارض النصين فيما لم يكن ترجيح في البين.
وأما بناء على التخيير ـ كما هو المشهور ـ فلا مجال لأصالة البراءة وغيرها (٤) ؛ لمكان (٥) وجود الحجة المعتبرة وهو أحد النصين فيها كما لا يخفى.
وقد استدل على ذلك بالأدلة الأربعة :
أما الكتاب : فبآيات (٦) أظهرها قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(*).
______________________________________________________
تشرب التتن» مثلا ، واحتمل إرادة الكراهة من النهي.
(١) وهذا يكون في صورة الشك في الوجوب ؛ كما إذا قال : «اغتسل للجمعة» ، واحتمل إرادة الاستحباب من الأمر.
(٢) أي : بين النصين المتعارضين ؛ إذ لو ثبت بينهما ترجيح فالمتعين الأخذ بالراجح ؛ لأدلة الترجيح الظاهرة في وجوب الترجيح. ثم إن التوقف والرجوع إلى الأصل في صورة التكافؤ هو القول الشاذ ؛ وإلا فعلى المشهور من التخيير لا تصل النوبة إلى الأصل ؛ لوجود الدليل وهو أحد المتعارضين.
(٣) قيد لقوله : «جاز» يعني : أن الرجوع إلى الأصل في تعارض النصين مبني على التوقف في مسألة التعارض ، دون التخيير ؛ إذ بناء على التخيير لا بد من الأخذ بأحد المتعارضين ، دون الرجوع إلى الأصل.
(٤) يعني : من سائر الأصول كالاستصحاب والاحتياط.
(٥) تعليل لقوله : «لا مجال» ، ووجهه واضح ؛ إذ الحجة على الواقع موجودة وإن كانت مرددة بين شيئين. وضمير «فيها» راجع على مسألة تعارض النصين.
الاستدلال بالكتاب على البراءة
(٦) وقد ذكر الشيخ الأنصاري (١) «قدسسره» جملة من الآيات التي استدل بها لأصالة البراءة.
منها : قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها)(٢) ، والاستدلال بهذه الآية على البراءة يتوقف على كون المقصود من الموصول التكليف ، والمراد من الإيتاء المستفاد من (آتاها) : إعلامه وإيصاله إلى المكلف ، فيكون معنى الآية حينئذ : ألا يكلف الله
__________________
(*) الإسراء : ١٥.
(١) فرائد الأصول ٢ : ٢١ ـ ٢٢.
(٢) الطلاق : ٧.