وفيه (١) : أن نفي التعذيب قبل إتمام الحجة ببعث الرسل لعله كان منّة منه تعالى
______________________________________________________
والجواب عنها : أن دلالتها على البراءة مبنية على كون الهلاك بمعنى العذاب الأخروي ، والبينة بمعنى : الطريق الكاشف عن الواقع.
وليس الأمر كذلك ؛ بل المراد من الهلاك هو الموت والقتل ، ومن الحياة هو الإسلام ، والمراد من البينة هو خصوص المعجزة الدالة على صدق نبوة نبينا محمد «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، فيكون مضمون الآية أجنبيا عن أصالة البراءة أصلا. فهذه الآيات أجنبية عن مسألة البراءة أصلا. ولذا ترك المصنف الاستدلال بها وقال : أظهرها قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً).
وجه الأظهرية هو : أن همّ الأصولي تحصيل ما يؤمنه من العقاب على مخالفة التكليف ، ولا ريب في ظهور هذه الآية المباركة في نفي العذاب قبل تبليغ الأحكام. فيقال في تقريب دلالتها على البراءة : إن التعبير ببعث الرسول ليس لأجل خصوصية فيه ؛ بل بعثه الرسول كناية عن بيان الأحكام للأنام ، وإتمام الحجة عليهم ، فبعث الرسول كناية عن قيام الحجة ، نظير قول القائل : «لا أصلي حتى يؤذن المؤذن» ، يقصد به : الكناية عن دخول الوقت ، فتكون الآية ظاهرة في نفي العذاب قبل قيام الحجة ، فلا عقاب على مخالفة التكليف غير الواصل إلى المكلف ، وهذا معنى البراءة.
(١) وقد أورد على الاستدلال بهذه الآية الشريفة بوجوه :
الأول : أنها تختص بنفي العذاب الدنيوي ، فلا ظهور لها في ما نحن فيه من نفي العذاب الأخروي ؛ لأن نفي التكليف بأصالة البراءة مستلزم لنفي العذاب الأخروي ؛ لا العذاب الدنيوي.
الثاني : أنها تتكفل الحكاية عن عذاب الأمم السابقة ، بمعنى : أن المراد من الآية هو : الإخبار عن عدم وقوع العذاب على الأمم السابقة إلا بعد البيان ، بقرينة التعبير بلفظ الماضي في قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) ، فيكون المراد هو الإخبار عن عدم وقوع العذاب الدنيوي فيما مضى من الأمم السابقة إلا بعد البيان فلا دلالة لها على نفي العذاب الأخروي عند عدم البيان حتى تدل الآية على البراءة ، لأن نفي العذاب الأخروي كاشف عن نفي التكليف.
الثالث : أن دلالة الآية على البراءة تتوقف على مقدمة وهي : ثبوت الملازمة بين نفي فعلية التعذيب وبين نفي استحقاقه ؛ إذ لو لم تثبت الملازمة بينهما بأن كان نفي الفعلية لازما أهم من نفي الاستحقاق ، ومن ثبوته مع انتفاء فعليته منّة وتفضلا منه