.................................................................................................
______________________________________________________
«ضرورة : أن الاهتمام به» أي : بالواقع «يوجب إيجابهما» أي : الاحتياط والتحفظ ؛ «لئلا يفوت على المكلف» الواقع ، ومن هنا تبين : أن حديث الرفع إنما يرفعهما لكونهما من آثار العناوين الأولية.
وكيف كان ؛ فإيجاب الاحتياط ليس أثرا ل «ما لا يعلمون» بهذا العنوان ؛ بل من آثار التكليف الواقعي الناشئ عن الملاك الذي اهتم به الشارع ولم يرض بتركه حتى في حال الجهل به كما في النفوس والأعراض ؛ إذ لو لم يهتم به لم يوجب الاحتياط ، فوجوب الاحتياط ليس أثرا للفعل المجهول بما هو مجهول حتى يقال أنه أثر للفعل بعنوانه الثانوي ، فلا يصح رفعه به ؛ لأن المقتضى للشيء لا يكون رافعا له ؛ بل هو في الحقيقة من آثار العناوين الأولية التي هي موضوعات الأحكام الواقعية ، الناشئة من المصالح الداعية إلى تشريعها.
نعم ؛ لما لم يعقل إيجاب الاحتياط في حال العلم بالواقع ؛ لتقوّم مفهوم الاحتياط بالجهل به اختص تشريعه بصورة الجهل ، وأما المقتضي لتشريعه فهو مصلحة الحكم الواقعي المجعول للعنوان الأوّلي ، وكذا الحال في وجوب التحفظ. فحينئذ لا مجال له إلا في حال الخطأ ومورده.
وأما المقتضي له : فهو مصلحة الحكم الواقعي الثابت للعناوين الأولية.
هذا تمام الكلام في البحث حول الاستدلال بحديث الرفع على البراءة. بقي ما لا يخلو ذكره عن فائدة :
١ ـ توضيح بعض العناوين المذكورة في ذيل الحديث وهي : الحسد والطيرة والوسوسة في التفكر في الخلق.
٢ ـ نسبة حديث الرفع إلى أدلة الأحكام الأولية.
وأما توضيح الأمور الثلاثة وإن كان خارجا عن موضوع البراءة فيقال : إنه لا إشكال في أن المراد من الحسد هي الحالة النفسانية التي توجب عدم تحمل الإنسان نعمة أعطاها الله تعالى أخاه المؤمن قبل إظهارها عملا ، وأما إذا أقدم بعمل في سبيل زوالها : فلا إشكال أيضا في كونه معصية ، ولا يكون حينئذ مشمولا للحديث الشريف.
وأما الطيرة : فهي من مادة الطير ، بمعنى : التشأم وقراءة الطالع بالطيور ، ثم توسع في