إلا إنه ربما يشكل (١) بمنع ظهوره في وضع ما لا يعلم من (٢) التكليف ؛ بدعوى : ظهوره في خصوص ما تعلقت عنايته تعالى بمنع اطلاع العباد عليه (٣) ، ويمكن شموله
______________________________________________________
وبهذا التقريب تتم دلالة الحديث على البراءة ؛ بحيث يصلح للمعارضة مع أدلة الأخباريين على الاحتياط المقتضية لاشتغال الذمة بالتكاليف الواقعية المجهولة ؛ بل هذا أظهر في الدلالة على البراءة من حديث الرفع ؛ لما عرفت من أن المراد بالموصول : هو الحكم قطعا بخلاف حديث الرفع.
(١) أي : إلا إن الاستدلال يشكل ، والمستشكل هو الشيخ الأنصاري «قدسسره» ، حيث قال بعد تقريب الاستدلال : «وفيه أن الظاهر ...» الخ.
وتوضيح الإشكال يتوقف على مقدمة وهي : أن «ما حجب الله علمه عن العباد» لا يخلو عن أحد احتمالين :
الأول : هو أن يكون المراد منه : ما لم يبينه للعباد من الأول وسكت عنه ، ولم يأمر رسوله.
الثاني : أن يكون المراد منه : ما بيّنه ، وأمر رسوله بتبليغه ، فبلغه الرسول للعباد ؛ ولكن اختفى عليهم لأجل الحوادث الخارجية ؛ كإخفاء الظالمين والعاصين إياه عنهم.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن محل النزاع بين الأخباريين والأصوليين ـ حيث يقول الأول : بوجوب الاحتياط والثاني : بالبراءة ـ هو الاحتمال الثاني ، أي : ما بيّنه وحجب علمه عن العباد بواسطة إخفاء الظالمين ، وأما ما لم يبيّنه من الأول : فهو مرفوع عنهم بالاتفاق ، والظاهر من الرواية : هذا الاحتمال أعني : الاحتمال الأول بقرينة نسبة الحجب إلى الله تعالى ، فحديث الحجب أجنبي عن المقام ؛ لأنه مساوق لما ورد عن أمير المؤمنين «عليهالسلام» : «إن الله حدّ حدودا ، فلا تعتدوها ، وفرض فرائض ، فلا تعصوها ، وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا لها ، فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم» (١).
(٢) كما هو المطلوب في البراءة ، «وبدعوى» متعلق ب «يشكل» وبيان له ، وضمير «ظهوره» في الموضعين راجع على حديث الحجب.
(٣) أي : على ما لا يعلم من التكليف ، وضمير «بتبليغه» راجع على الموصول في «ما تعلقت» المراد به الحكم الذي منع اطلاع العباد عليه ، وضمير «بدونه» راجع على منعه تعالى اطلاع العباد عليه.
وحاصل الإشكال : إن حجب الله تعالى لا يصدق إلا في صورة عدم أمره تعالى
__________________
(١) الفقيه ٤ : ٧٥ / ٥١٤٩ ، الوسائل ٢٧ : ١٧٥ / ٣٣٥٣١.